خليل علي حيدر
في اوساط الكثيرين شكوى من ان الغرب يسلط في إعلان الضوء على laquo;التطرف الاسلاميraquo;، ولا يهتم بـ laquo;الاعتدال الاسلاميraquo;! فهل هي شكوى عادلة؟
كلا بالطبع. اذ لو راجعنا الصحف والكتب في الغرب، وما كانت تكتب عن الاسلام والمسلمين في الماضي من سلبيات وايجابيات، لما وجدنا فيها ما نجد اليوم من تركيز وlaquo;اسلاموفوبياraquo;! وربما بدأ التحول الاعلامي ضدنا مع أواسط أو أواخر وما بعد 1975 إذ وضعت laquo;الفوائض الماليةraquo; وما سمي بـ laquo;البترو دولارraquo; ثروات ضخمة بيد البلدان العربية لم يحسنوا التصرف بها في بعض الاحيان، ولم يلتفتوا الى آليات الاعلام في أوروبا وأمريكا، ولم يطوروا بلدانهم، بما يقنع laquo;الحاسدين والحاقدينraquo; في المشرق والمغرب، بأن بلدان النفط استفادت حقا من هذه الفرصة النادرة.
كانت الحملة الاعلامية آنذاك موجهة ضد العرب laquo;الذين يهددون استمرار الحضارة واستقرار العالم بتلاعبهم بأسعار النفط وسلاح المقاطعةraquo;. وما أن هدأت النفوس بعض الشيء حتى بدأت فترة امتدت نحو ثلاثين سنة 1980 ndash; 2010 ، من تنامي التشدد والعنف الاسلامي في الداخل.. ثم في الخارج. واستهدفت المنشورات والخطب الاسلامية غير المسلمين في الداخل والاوروبيين والامريكان في الخارج، والنساء والحريات والتسامح.. في كل مكان.
بالطبع هناك معتدلون بين العرب والمسلمين، والغربيون يدركون ذلك، ومراكز الابحاث في اوروبا وأمريكا ترصد هذا كله. ولكن هذا الاعتدال، حتى الآن، لا يرقى كماً وكيفاً الى ما هو متوقع من إنسان القرن الحادي والعشرين. فحتى المتعلم والخريج الجامعي في أغلب البلدان العربية والاسلامية، لديه مثل حكومته أو دولته، مشكلة مع مبدأ حرية العقيدة أو حرية الرأي أو المرأة أو الاقليات أو المذاهب غير السائدة أو غير ذلك. بل لديه مشكلة حتى مع مبدأ أو فكرة الديمقراطية والتعددية الثقافية وتقبل الآخر!
وتكاد هذه الافكار والمبادئ العصرية أن تكون مجرد قشرة أو غلاف رقيق يحيط بمواقفنا، ولا تنتشر حقا الا بين نخبة عربية اسلامية محدودة، بينما تبقى الاغلبية الشعبية تعاني من كل امراض الانغلاق والتشدد.
ولا غرابة في هذا، فحكومات هذه البلدان لا تكترث حقاً بتجديد أو تحرير نمط التعليم ومناهجه وlaquo;تنويرraquo; المعلمين. ولا تجرؤ الحكومات على اطلاق حرية تبادل المعلومات وترسيخ الحريات السياسية والدينية والفكرية والاجتماعية، وتظل في النهائية خاضعة، بل وربما مشجعة مساندة للتيار الديني laquo;المعتدلraquo;! فما نسميه laquo;الاعتدالraquo; وlaquo;الوسطيةraquo; في بلداننا لا يزال محكوماً بسلطة الحكومات الصديقة للغرب أو التي تبذل جهدها كي laquo;تبتعد عن المشاكلraquo;، وتحافظ على laquo;الحداثة والاصالة laquo;معا، وتراعي laquo;التراث ومتطلبات العصرraquo;.. معاً.. الخ.
فهو اذن ليس اعتدالاً عميقاً في الثقافة الشعبية والفهم الاسلامي السائد، وليس ناتجاً عن نقاش ودراسة حول الاسلام ومتطلبات العصر ومصالح المسلمين ومخاطر التزمت والتطرف وغير ذلك. انه مجرد تهدئة ناجمة عن عوامل تتعلق بالحكومات وموازين القوى في التيارات الاسلامية وقضايا التحالفات! بل تجد ان كليات الشريعة مثلاً وجمعيات المحامين وهيئات الكتاب والصحافيين في العديد من البلدان الاسلامية، على رأس قوى الجمود والتعصب الديني والقومي والوطني.. وقد تكون على الارجح غاضبة حتى من مواقف حكوماتها laquo;المترددةraquo; وlaquo;المتخاذلةraquo; في laquo;الذود عن مصالح العرب والمسلمينraquo;.
العالم الغربي، في الولايات المتحدة وأوروبا وربما الهند والصين يدرك كذلك أن ما يبدو laquo;اعتدالاً اسلامياً في بعض الحركات والاوسط، انما هو سراب. لان ثقافة حركات التشدد والارهاب مستقاة ولاتزال، من الذخيرة الفكرية والقناعات الراسخة في اوساط الاعتدال، التي لم تقف علناً ذات يوم لتنتقد نفسها، او تفتح حواراً حول افكارها ومواقفها، رغم مرور عقود طويلة على تشكلها، ورغم ما جرى في العالم من تحولات، ورغم ما فعله laquo;المتشددونraquo; بالإسلام والمسلمين! لهذا كله، يدرك الغربيون جيداً، ويدرك الكثير منا، ان قرار الاعتدال وقرار دخول ثقافة العصر، لا يزالان من الامور المؤجلة. ولا تقدم جذوي في هذه الميادين، إن لم نكن نتراجع إلى الوراء في واقع الامر.
فحتى laquo;الاعتدالraquo; وlaquo;الوسطيةraquo;.. من مصطلحات الاسلام السياسي!
التعليقات