سعيد الحمد

منذ سقوط الاخوان المسلمين في الانتخابات الأردنية عام 2007 وصولاً إلى سقوطهم المتزامن في البحرين ومصر في 2010 مروراً بسقوطهم في الكويت وتراجعهم في انتخابات اليمن لم نقرأ في أدبياتهم وكتاباتهم ومقابلاتهم وأحاديثهم تفسيراً أو تحليلاً يخرج او يتجاوز laquo;دائرة الشماعةraquo; التي تبرر السقوط ولا تحلّله من الداخل من حيث الأداء البرلماني وعلاقتهم بمصالح جمهورهم العريض وخدمة ناخبيهم او من حيث هياكلهم الحزبية التي شاخت اسلوباً ومنهجاً ولم تترك الفرصة للرأي الآخر داخل تنظيماتهم واحزابهم.
قادة الاخوان أو قادة أذرعهم السياسية laquo;حدس في الكويت والمنبر في البحرين والإصلاح في اليمن وجبهة العمل في الأردنraquo; وجميعها الواجهات السياسية المباشرة لجماعة الاخوان في الأقاليم العربية اتفقت تبريراتهم على سبب واحد أجمعوا عليه أو كادوا، بعضهم كان صريحاً ومباشراً وهو يحمل الحكومة والنظام في بلاده مسئولية سقوطه بتدبيرها laquo;مؤامرة اسقاطه وتزوير نتائجهraquo; كما تحدث اخوان مصر مؤخراً ومن قبلهم تحدث بذات التبرير اخوان الأردن وبعض قادة جماعاتهم في الاقاليم الأخرى قالوا بنفس التبرير وان بلغة مواربة ومخاتلة وغير مباشرة laquo;اخوان البحرين مثالاًraquo; الذين تحدثوا عن laquo;جهات اسقطتهم أو عملت على اسقاطهمraquo; ولم يكن خافياً على أحد من المواطنين المعنى المقصود والمشار إليه بـ laquo;الجهاتraquo;.
وفاتهم ان يلاحظوا في غمرة انفعالات السقوط والتراجع ان الجميع بما فيهم كوادر وأعضاء الاخوان يعلمون ان الحكومات والأنظمة التي يتهمها الآن قادة الاخوان بإسقاطهم كانت حتى وقتٍ قريب وراء نجاحهم وعندما قررت هذه الحكومات الوقوف على مسافة واحدة من جميع المتنافسين في انتخابات بلدانها تراجع الاخوان هنا وسقطوا هناك سقوطاً ذريعاً ومدوياً بما يعني ان الناخب العربي بات الآن لا يتعاطف مع خطابهم ولا يؤيد توجهاتهم وله ملاحظات كبيرة على أدائهم وأسلوبهم وان مزاج الشارع الانتخابي بعمومه تغيّر وتحوّل وهي الحقيقة الكبيرة التي يهرب منها الاخوان ويتهربون من مواجهتها والاعتراف بها يعني اعترافاً صريحاً منهم بأن بوصلة الناخب قد تحولت عنهم وهو ما لا يريدون الاعتراف به فاخترعوا حكاية مؤامرة اسقطاهم لاسيما وان ثقافة المؤامرة متجذرة في الوجدان الشعبي العربي، وبالتالي تصلح شماعة وتبريراً للسقوط والتراجع.
وأخيراً نسأل كيف تتفق جميع الحكومات على اختلاف مشاربها على تسقيط الاخوان فقط دون سائر الاحزاب والقوى والشخصيات الأخرى التي خاضت انتخابات بلدانها ونجح من نجح وسقط من سقط دون ان يشير إلى مؤامرة اسقاطه.. قد يمر وقد يتقبل الرأي العام العربي مزاعم المؤامرة التي تقول بها الجماعة لو ان تنظيماً أو حزباً اخوانياً واحداً منهم اختار هذا التبرير لسقوطه وفشله، اما ان تتفق الجماعات الاخوانية في جميع الاقطار العربية على تبرير سقوطهم بسيناريو المؤامرة ضدهم فهي كبيرة ومن الصعب هضمها وraquo;ياليتكم مدورين غيرهاraquo; نظراً لطبيعة العلاقات النفعية المعروفة عن الاخوان في علاقتهم مع الانظمة العربية الحاكمة منذ تأسيس الجماعة قبل اكثر من ثمانين عاماً.
فمنذ أيام مؤسس الجماعة المرحوم حسن البنا حرص الرجل على ان تظل علاقة الاخوان بالنظام الملكي في بلاده علاقة تفاهم وتعاون تجنب فيها الصدام قدر الامكان حتى ورطه التنظيم السري داخل الجماعة بعمليات اغتيال النقراشي رئيس الوزراء المصري والقاضي الخزندار لكن مرشد الجماعة في السبعينات المرحوم عمر التلمساني اعاد اواصر العلاقة الطيبة مع نظام الرئيس الراحل السادات وساهمت الجماعة وفروع الاخوان في الاقليم المصري على تنفيذ أجندة السادات في القضاء على الحركة الناصرية واليسارية تحديداً وكل القوى الوطنية عموماً.
أما في منطقة الخليج فعلاقة الاخوان بالأنظمة والحكومات فيها امتد laquo;شهر عسلهاraquo; حقباً وسنين طوال إلى الدرجة التي اعتبرت فيها الاحزاب الاخوانية في الخليج laquo;أحزاب موالاةraquo;.
باختصار تاريخ العلاقة بين جماعات الاخوان في المنطقة مع حكوماتها تاريخ تعاون وتفاهم استفاد منه واستثمره الاخوان في الخليج في تسكين وتمكين كوادرهم في الوظائف الإدارية العليا في عدد من الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية الفاعلة والمهمة laquo;انظر كتاب الدكتور باقر النجار ndash; الحركات الدينية في الخليج العربيraquo;.
كل هذه الحيثيات تأخذنا إلى خلاصة منطقية تقول ان آخر ما تفكر به الحكومات هو التآمر على الاخوان لاسقاطهم، وبالتالي لا مفر امامهم من التصدي لاسئلة السقوط من داخل جماعاتهم.