خيرالله خيرالله

الاكيد ان الوثائق السرية الاميركية التي نشرها موقع quot;ويكيليكسquot; مهمة. انها مهمة من ناحية وحيدة، اقلّه في الجانب العربي منها. كشفت الوثائق ما يعرفه المواطن العادي من المحيط الى الخليج وهو ان المشكلة الاكبر للانظمة العربية اسمها دولة معينة غير عربية. لم يكن المواطن العادي في حاجة الى الوثائق ليعرف طبيعة المشكلة التي تؤرق القيادات العربية، او على الاصح اين مكمن الهمّ العربي. جاءت الوثائق لتؤكد المؤكد لا اكثر ولا اقلّ.
هذا لا يعني في اي شكل ان هناك عداء عربيا لايران او غيرها بمقدار ما انه يكشف ان العرب عموما، خصوصا في ضوء ما يجري في لبنان وما جرى ويجري في العراق او اليمن او منطقة الخليج، مصابون بحيرة وهم في حاجة الى من يطمئنهم الى ان السياسة الايرانية لا تستهدف اثارة القلاقل والمشاكل والحساسيات المذهبية... التي لا تخدم في نهاية المطاف سوى المشروع الاسرائيلي القائم على تفتيت المنطقة العربية عن طريق ايجاد تباعد بين المذاهب والطوائف لتبرير الاعتراف باسرائيل بصفة كـquot;دولة يهوديةquot; واعتبار القدس quot;عاصمة لليهودquot; في العالم.
ابعد من وثائق quot;ويكيليكسquot;، لا بدّ من طرح سؤال يتعلق بعملية تسريب الوثائق. كيف يمكن تسريب هذا العدد الكبير من الرسائل السرية التي تهم الادارة الاميركية والتي توضح الى حد كبير ما الذي يريده الزعماء والمسؤولون في الشرق الاوسط واوروبا وانحاء مختلفة من العالم من القوة العظمى الوحيدة وكيف يفكّر هؤلاء. الجواب عن هذا السؤال ان هناك، على الارجح، مجموعة من المسؤولين تولت تغطية عملية تسريب الوثائق. ما الهدف من ذلك؟ يبدو واضحا ان المطلوب تعرية ادارة الرئيس باراك اوباما. يبدو واضحا ان باراك اوباما هو المستهدف. هناك في داخل المؤسسة العسكرية والامنية من يريد القول له انه غير قادر حتى على حماية الاسرار الاميركية.
ما نشهده حاليا ليس فضيحة لهذا الزعيم او المسؤول في هذه الدولة العربية او الاوروبية او تلك. الفضيحة فضيحة اميركية قبل اي شيء آخر. هناك ادارة اميركية لا تستطيع المحافظة على اسرار الدولة. من الآن فصاعدا لن يعود في استطاعة اي موظف حكومي في اي بلد كان التحدث مع اي مسؤول اميركي بصراحة. عليه ان يتأكد من ان ما يقوله لن يؤدي الى ردود فعل سلبية جراء تسريب الحديث الى quot;ويكيليكسquot; او موقع مشابه.
مرة اخرى، انها فضيحة اميركية بكل معنى الكلمة. ما هذه الدولة العظمى، بل القوة العظمى الوحيدة في العالم، التي لا تستطيع المحافظة على المراسلات السرية بين سفاراتها ووزارة الخارجية. كيف يمكن الوثوق بهذه القوة العظمى بعد الآن؟ هل سيبقى هناك زعيم واحد قادر على مصارحة السفير الاميركي برأيه الحقيقي، ام بات عليه التعاطي مع السفير او مع اي مسؤول يزوره بتحفظ شديد؟ ربما سيكون عليه التحدث الى المسؤول الاميركي بلغة الاشارات كي لا ينقل عن لسانه كلاما محددا يصل في نهاية المطاف الى جهة ليس مفروضا بها معرفة رايه.
في كل الاحوال، لم تقتصر الوثائق التي سربتها quot;ويكيليكسquot; على اللقاءات التي عقدها مسؤولون او مبعوثون اميركيون مع شخصيات عالمية. كانت هناك وثيقة تدعو الديبلوماسيين الاميركيين الى ان يكونوا جواسيس. كان يمكن لهذه الوثيقة ان تمر مرور الكرام لو لم تكن عمليا تعليمات موجهة من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى موظفيها تحضهم فيها على جمع كل المعلومات التي يستطيعون الوصول اليها عن اي ديبلوماسيين يجرون اتصالات بهم وحتى عن كبار موظفي الامم المتحدة، بمن فيهم الامين العام بان كي مون.
ياتي ذلك في اطار ما يسمى التجسس المباشر على الآخر وجمع المعلومات الخاصة بالاشخاص، وهو ما لا تستطيع القيام به اجهزة المراقبة او التنصت...
سيتوجب مستقبلا على كل من يقيم علاقة او يجري اتصالا مع ديبلوماسي اميركي التصرف بطريقة مختلفة. سيعتبر اي شخص على علاقة بديبلوماسي اميركي انه يتعاطى مع جاسوس معلن على استعداد لنشل محفظته وتصوير بطاقات الائتمان التي في داخلها!
يقول ديبلوماسي اميركي متقاعد امضى ربع قرن في خدمة وزارة الخارجية ان ما يقلقه اكثر من اي شيء آخر ان توجيهات وزيرة الخارجية تسيء الى العمل الديبلوماسي. لم يعد هناك فارق بين الديبلوماسي والموظف في وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي. أي). يخلص هذا الديبلوماسي الى تاكيد ان الولايات المتحدة التي تشكو دائما من تشويه لصورتها في العالم، انما تعمل كل شيء من اجل افشال اي محاولة لتحسين هذه الصورة. بعد الآن، لن يتوجب على اي مسؤول في اي مكان في العالم التفكير مليا قبل الادلاء برأي امام ديبلوماسي او مبعوث اميركي فحسب، بل سيكون على الديبلوماسي الاميركي نفسه اخذ كل وقته قبل صياغة التقرير الذي ينوي ارساله الى وزارة الخارجية. على الديبلوماسي ان يأخذ في الاعتبار ان تقريره لم يعد سريا وان هناك في واشنطن من يهمه تعرية ادارة اوباما. ربما كان الهدف من كل تسريبات quot;ويكيليكسquot; اظهار الرئيس الاميركي الاسود بانه لا يستأهل ثقة الاميركيين وانه ليس مؤهلا لأن يكون رئيسا للقوة العظمى الوحيدة في العالم نظرا الى انه غير قادر حتى على المحافظة على اسرار الدولة. هل هي حرب مكشوفة يشنها المحافظون واليمين المتطرف على اوباما للحؤول دون تمكينه من الحصول على ولاية ثانية؟