يوسف الكويليت

أكبر دولة في أمريكا الجنوبية تعترف بدولة فلسطين على حدود ١٩٦٧م بما فيها القدس الشرقية، وإقدام البرازيل على هذه الخطوة الجريئة لم يأت اعتباطاً رغم معرفتها ردّ الفعل الأمريكي والإسرائيلي، ولا يستطيع أحد اتهامها بأنها ليست على علاقة مع إسرائيل، وليست دولة تنتمي إلى المعسكر الشرقي قديماً الذي اشتهر بمساندة العرب وتسليحهم، وجاءت الارجنتين لتتخذ نفس الخطوة، وهي بدايات لتزاحم دولي سيجد نفسه، أخلاقياً، أنه من الضروري الاعتراف بتلك الدولة الفلسطينية ليس نكاية بإسرائيل، وإنما اعترافٌ بالحق القانوني، وعندما يأتي تأييد دولي يأخذ بهذا المبدأ، وتتقاطر دول من مختلف القارات، ستجد الأمم المتحدة أنه من الضروري الاعتراف بهذه الدولة، وحتى لو بقي الأمر معنوياً ومسانداً لقضية تناوبت على محاولة طمس شعبها قوىً مختلفة، فإن إسرائيل قد تواجه نفس الضغط سواء باستمرارها التمدد على الأرض الفلسطينية المحتلة، أو عدم قبولها شرعية الدولة والدخول معها في مفاوضات مثمرة..

في الأيام القادمة سيتم التصويت على انفصال جنوب السودان، والاحتمالات ترشح ذلك، ولن نفاجأ بأن يكون أول المعترفين بدولة الانفصال أمريكا وإسرائيل، ثم كل الدول الأوروبية، لأن هذا التصرف يمثل عمق أهدافهم في تفتيت دول المنطقة، ولا تُستثنى أي دولة عربية أو إسلامية يحدث فيها هذا الانفصال..

قضية فلسطين لن تموت حتى بالعوامل الزمنية وقوة الدول الحاضنة لإسرائيل ، وقضية الاعتراف بدولة ذات سيادة قد لا تحقق النتائج السريعة، لكن مثلما تم توطين اليهود من خلال بريطانيا ودول أخرى، سيصبح الكيان الفلسطيني ضمن معادلات دولية لأن مركز القوة سيتغير وتبدأ معه مصالح مختلفة، وحتى أكثر اليهود تفاؤلاً يجزمون بأن دولة تتحصن بقوتها العسكرية والدعم الخارجي في محيط عربي وإسلامي هائل لا يمكن لها البقاء إلا بالاعتراف بالحق الفلسطيني، والاندماج في المنطقة، أو عودة الهجرة المعاكسة، وهو رأي حذر منه سياسيون وحقوقيون ومؤرخون إسرائيليون، وليس أماني عربية فقط معترفين، في الوقت نفسه ، أن الظروف في المستقبل البعيد لا تخدم إسرائيل، وتأتي رؤية البرازيل والأرجنتين ضمن احتمالات المستقبل، ولعل جرأتهما درسٌ لبلدان إسلامية لم تعترف بعدُ بهذه الدولة الفلسطينية ولذلك لن تصبح على الحياد إذا ما تتالت الاعترافات وشكّلت النصاب الذي يجعلها عضواً في الأمم المتحدة..

إسرائيل منزعجة وتتعلل بأن هذا التصرف يعوق المباحثات، وهي ذريعة باطلة وسخيفة ، فعلى ماذا يحاور الفلسطينيون والتوسع على أرضهم مستمر، والحصار قائم بالاحتلال للضفة، والتضييق على غزة، ولا تستطيع أن تقول إن الذين اعترفوا بالدولة الفلسطينية لم يكونوا مدفوعين بتناغم سياسي أو ضغط عربي وإسلامي، بل جاء اعترافهم استجابة تاريخية لحق مضاع سببه دول القرار في أمريكا وأوروبا؟!