كمال الذيـــب

المعركة التي‮ ‬تتحمس لها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والعديد من الدول الغربية ضد إيران وضد المشروع النووي‮ ‬الإيراني،‮ ‬معركة تبدو دون مصداقية،‮ ‬بل تفتقر لأي‮ ‬أسس أخلاقية أو سياسية مقنعة‮.‬

فإذا كانت هذه الدول تخاف بالفعل على أمن المنطقة خاصة وأمن العالم عامة،‮ ‬فإن هنالك دولة وحيدة إلى حد الآن‮ (‬عنصرية وعدوانية واستعمارية‮) ‬اسمها إسرائيل تمتلك أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل استخدمت بعضها في‮ ‬الحربين الأخيرتين ضد لبنان وضد‮ ‬غزة‮.‬

هذه الدول التي‮ ‬تحاول إقناعنا بالخطر الإيراني‮ ‬والسلاح الإيراني‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬تسلح الكيان الإسرائيلي‮ ‬إلى الأذنين،‮ ‬وهي‮ ‬أيضاً‮ ‬التي‮ ‬أسقطت التصويت الأخير في‮ ‬مجلس الطاقة الذرية عندما صوتت ضد إخضاع منشآت إسرائيل للرقابة الدولية شأنها في‮ ‬ذلك شأن الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية بحظر انتشار الأسلحة النووية‮.‬

هذه الدول التي‮ ‬تحاول إقناعنا اليوم بخطر السلاح الإيراني‮ -‬الذي‮ ‬ندركه جميعاً‮ ‬ونخشى منه على مستقبلنا ومستقبل إقليمنا ومستقبل أبنائنا بالرغم من كونه مايزال في‮ ‬حالة تشكل‮- ‬في‮ ‬حين تتجاهل هذه الدول مجرد الإشارة إلى الخطر النووي‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬القائم فعلياً،‮ ‬ولذلك نحن لا نصدقها ولا نحترم وجهة نظرها ولا نفاقها السياسي‮ ‬ولا ازدواجية المكاييل التي‮ ‬تحكم سياستها وقراراتها،‮ ‬فنقول لها صراحة‮: ‬بالرغم من رفضنا للتسلح النووي،‮ ‬ومخاوفنا المشروعة من طموحات إيران النووية فإننا نخشى أولاً‮ ‬وابتداءً‮ ‬من التسلح الإسرائيلي‮ ‬والتهديد الإسرائيلي‮ ‬للوطن العربي،‮ ‬ما دام الكيان الإسرائيلي‮ ‬لوحده‮ ‬يمتلك السلاح النووي‮ ‬والحماية الأمريكية‮- ‬الأوروبية،‮ ‬مع أنه الكيان المحتل والغاصب والمعتدي،‮ ‬ومع أن المطلوب حقيقةً‮ ‬هو حماية الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والسوريين والأردنيين من عدوانية وعنصرية هذا الكيان وليس العكس‮.‬

صحيح أننا نختلف مع السياسة الإيرانية‮ -‬الرسمية وغير الرسمية‮- ‬في‮ ‬تدخلها وعبثها في‮ ‬العراق وسعيها الكاسح والمشهود والموثق لتخريب الوضع العراقي‮ ‬وجعله تابعاً‮ ‬وامتداداً‮ ‬لسياستها،‮ ‬ونختلف معها في‮ ‬تغذيتها للنوازع الطائفية السيئة التي‮ ‬تشتعل نيرانها في‮ ‬العراق ولبنان واليوم وغداً‮ ‬يمكن أن تكتسح مناطق أخرى من الوطن العربي،‮ ‬ولا‮ ‬يبدو أن إيران بعيدة عن ذلك،‮ ‬ونختلف مع إيران إلى درجة العداء في‮ ‬استمرار احتلالها للجزر العربية الإماراتية المحتلة والتي‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتنازل عنها الإماراتيون ولا العرب اليوم أو‮ ‬غداً،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن الحديث عن أمن الخليج العربي‮ ‬أو التعاون الخليجي‮-‬الإيراني‮ ‬دون حل القضية بإنهاء الاحتلال،‮ ‬ولن نصدق مطلقاً‮ ‬الخطاب الإيراني‮ ‬المعادي‮ ‬للاحتلال الإسرائيلي‮ ‬للأراضي‮ ‬العربية المحتلة في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تستمر فيه في‮ ‬احتلال جزء عزيز من أراضينا العربية استناداً‮ ‬إلى القوة الغاشمة وليس لأي‮ ‬شرعية‮.‬

كما إننا ندرك إدراكاً‮ ‬كاملاً‮ ‬وواسعاً‮ ‬أن إيران تتحرك من منطلق مصالحها القومية بالدرجة الأولى،‮ ‬أن المؤثر الرئيس والحاسم في‮ ‬السياسة الخارجية الإيرانية هو البعد القومي‮ ‬الإيراني‮ ‬وأن حكاية البعد الإسلامي‮ ‬ليست إلا شماعة دعائية،‮ ‬فبالرغم من أن السلطة الإيرانية الحاكمة ومناصريها في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬يؤكدون دون جدوى إسلامية السياسة الإيرانية،‮ ‬وأنها تنطلق من البعد الديني‮ ‬المناصر للمسلمين في‮ ‬مواجهة مملكة الشياطين،‮ ‬لكن الحقيقة المشاهدة بالعيان والمؤكدة أن إيران تنطلق في‮ ‬سياستها ومصالحها من منحى قومي‮ ‬صرف،‮ ‬حتى تحالفاتها ليست إسلامية بالضرورة بدليل تعاملها مع الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على السلاح،‮ ‬وفي‮ ‬إسقاط نظام صدام حسين ونظام طالبان،‮ ‬كما إن الخطاب السياسي‮ ‬الإيراني‮ ‬العالي‮ ‬النبرة والذي‮ ‬يعلي‮ ‬من شعارات المقاومة ضد إسرائيل والحملة الدعائية الضخمة التي‮ ‬تتزعمها،‮ ‬لا تنطلق من منطلق إسلامي،‮ ‬إنما منطلقها أن إسرائيل تمثل خطراً‮ ‬على إيران،‮ ‬ومن دلائل المرتكز القومي‮ ‬الطائفي‮ ‬لإيران هو دعمها للحرب الطائفية في‮ ‬العراق وتسليحها للمليشيات الطائفية في‮ ‬هذا البلد العربي‮ ‬المحطم،‮ ‬فإنهاء عروبة العراق هدف أثير في‮ ‬السياسة الإيرانية‮.‬

كما إننا لن نصدق الدعاوى السياسية المعلنة عن ضرورة أمن الخليج بيد أهل الخليج وحدهم،‮ ‬وذلك لأن إيران ماتزال تصف نفسها بالقوة الإقليمية العظمى،‮ ‬وهي‮ ‬لذلك لا تتحدث عن شراكة إقليمية بل عن نظام إقليمي‮ ‬تكون لإيران اليد الطولى فيه،‮ ‬وتكون لها السيطرة والهيمنة‮.. ‬ولاحظوا الرعب الذي‮ ‬يصيب إيران لمجرد استخدام لغوي‮ ‬لمصطلح الخليج العربي،‮ ‬مع أنه بالإمكان أن تسميه هي‮ ‬فارسي‮ ‬ونسميه عربياً،‮ ‬كل بحسب قناعاته وكفى،‮ ‬ومع أن إيران‮ ‬يفترض نظرياً‮ ‬أنها تنطلق من بعد إسلامي‮ ‬وليس من بعد قومي،‮ ‬وتلك قصة أخرى‮.‬

باختصار نحن نختلف مع إيران في‮ ‬سياساتها الهيمنية،‮ ‬ونطالبها بإنهاء احتلالها للجزر العربية في‮ ‬الإمارات،‮ ‬ونختلف معها طولاً‮ ‬وعرضاً‮ ‬في‮ ‬منزعها الميال إلى التدخل في‮ ‬الشؤون الداخلية للدول العربية،‮ ‬ولكننا مع ذلك لا‮ ‬يمكن أن نقبل ولا أن تقبل الدول العربية أن‮ ‬يتم جرها إلى حلف‮ ‬غير مقدس ضد إيران الجارة المسلمة،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن أن نستبدل العدو الإسرائيلي‮ ‬التاريخي‮ ‬بعدو من نسيجنا الحضاري‮ ‬والتاريخي،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن للدول العربية أن تشارك في‮ ‬أي‮ ‬عدوان على إيران ولا‮ ‬يجب أن‮ ‬يحدث ذلك‮.‬

نختلف مع إيران‮.. ‬نعم،‮ ‬ولكننا‮ ‬يجب أن نرفض العدوان ضدها،‮ ‬ولنقنع إيران بضرورة تغيير سياساتها،‮ ‬وتفهم حقوق العرب في‮ ‬الجزر المحتلة وفي‮ ‬ترك العراقيين‮ ‬يقررون مصيرهم بعيداً‮ ‬عن الضغوط والتدخل،‮ ‬ولكن لنقل للأمريكان أيضاً‮: ‬إذا أردتم أن نصدقكم أوقفوا إسرائيل أولاً‮ ‬واحموا الأمن العالمي‮ ‬من عربدة هذا الكيان الغاصب وبعد ذلك لكل حادث حديث‮!!‬