سعد محيو

من التراجعات في انتخابات مصر والأردن، إلى السقطات في السودان، مروراً بالانهيارات في الجزائر والانحباسات في المغرب وتونس وسوريا والكويت، ثمة سؤال بارز واحد ينبثق من كل هذه التمخضات الدراماتيكية: لماذا تتعثّر مشاريع حركات الإسلام السياسي العربية؟

العديد من الدراسات في معرض بيروت السنوي للكتاب العربي، وبالأخص منها ldquo;بين الدين والسياسةrdquo; لعمر حمزاوي وناثان براون، تطرقت بإمعان إلى هذا الموضوع من جوانبه البرلمانية، والإيديولوجية، والاقتصادية، علاوة على العلاقة التي لاتزال مأزومة بين الديمقراطية وبين الإسلام السياسي العربي، لكنها مع ذلك لم تخرج بإجابة شافية: فبقي السؤال سؤالاً، واستمرت المعضلة معضلة .

كيف يمكن، إذاً، فهم أزمة الإسلام السياسي العربي؟

التحليل التاريخي الاجتماعي المقارن قد يكون هو الأداة الأمثل، إذ إن الإطلالة من خارج تُوفّر فرصة للإضاءة على الجوانب الداخلية الملتبسة . وهنا قد تكون تجربتا الإسلام السياسي في تركيا وإيران، على رغم تباين منطلقاتهما، هما المدخل المناسب للتحليل المقارن .

ففي تركيا، التي مرّ الإسلام السياسي فيها هي الأخرى بتخبطات وتعثرات طوال التسعينيات في حقبة نجم الدين أربكان، نجحت الحركة الإسلامية أخيراً في الوقوف على أرض صلبة وسيطرت على الحياة السياسية الرسمية التركية، بعد أن حسمت أمرها مع المحاور الجوهرية الآتية:

الأول، القبول بالدولة الأمة القومية التركية، واعتبار وجودها غير متناقض مع مفهوم الأمة الإسلامية . ومن ثَمَّ السعي إلى العمل في الفضاء الإسلامي الشاسع انطلاقاً من أجندة عمل الدولة القومية التركية لا من برامج الثورة الأممية الإسلامية .

الثاني، إبرام معاهدة صلح نهائي بين الإسلام السياسي وبين الديمقراطية، وقبول التداول السلمي للسلطة بكل متطلباته، وإدارة الظهر للشعار الفضفاض الذي لم يحقق يوماً أية حلول حقيقية للمجتمعات الشرقية من باكستان المودودي إلى مصر سيد قطب: ldquo;الإسلام هو الحلrdquo; .

الثالث، الاعتراف بمساواة المرأة والرجل في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية كافة، مع الاحتفاظ بتقاليد الحشمة الإسلامية، وهذا أنهى بشطحة قلم الجدل الاستنزافي بين الرجعيين والتقدميين الذي لطالما استنزف الإسلام السياسي التركي .

تجربة الإسلام السياسي الإيراني قد تبدو لوهلة متنافرة مع التجربة التركية . فهي انطلقت رافعة شعار الثورة الأممية الإسلامية وحاولت ldquo;تثويرrdquo; العديد من المجتمعات بالإيديولوجيا والمال والسلاح . وهي قيّدت عملية الانتقال الديمقراطي التعددي بكوابح سلطوية لاهوتية (سلطة ولي الفقيه غير المُنتخب شعبياً)، ثم أنها لم تُقنن عملية تحرير المرأة بسبب سيطرة رجال الدين الذكور الكاملة على كل قرارات الإصلاح والتغيير .

ومع ذلك، قطار الصراع حول طبيعة الإسلام السياسي ودوره في إيران يسير على السكة الصحيحة، خاصة بعد أن بدأت الحركة الإسلامية تنتقل بالتدريج من منطق الثورة الأممية إلى منطق الدولة الأمة، ليس فقط مع رفسنجاني وخاتمي بل حتى أيضاً مع أحمدي نجاد . والآن، إذا ما تمكّنت السلطة الإسلامية الإيرانية من الإفلات من مخططات التفتيت التي تُعد للبلاد، ومن الوصول إلى صيغة توازن مقبولة تعطي لقيصر ما لقيصر (البرلمان)، ولله ما لله (ولاية الفقيه)، ستكون إيران في طريقها نحو النضج الديمقراطي والمصالحة النهائية بين الدين والسياسة .

أين حركات الإسلام السياسي العربي من هاتين التجربتين؟