محمد سيد حسين

منذ أنزل الله سبحانه وحيه على نبيه (ص) كان من أبرز سمات هذه الرسالة الخاتمة أنها جاءت تحمل منهاجا يشمل كافة جوانب الحياة وينظم سائر شئون الإنسان في علاقته بربه وبالكون وبالإنسان، وأنها ليست رسالة إصلاحية في جانب من جوانب الحياة دون سائر الجوانب، ولكنها رسالة شاملة تجيب عن كافة الأسئلة وترسم منها ما يعالج أمور الحياة كافة.

(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).

(ونزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين).

وقد جاء التطبيق النبوي لهذه السمة من سمات الرسالة القائمة تطبيقا عاكسا لها، ورافضا منذ بواكير الدعوة أن يؤخذ منها جزء دون جزء أو جانب دون جانب، فلا يأخذ هذا الأمر إلا من يحيط به كله، أو بتعبير النبي (ص) في الحديث الذي رواه البيهقي وأبو نعيم: laquo;إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبهraquo; (الجامع الكبير للسيوطي 34034).

فمارس الرسول (ص) بذاته أمور الحكم والقضاء وقيادة الدولة، فضلا عن الأمور التعبدية المحضة، فكان إماما في الدين والدنيا.

وسارت الأمة على هذا الدرب سواء في عصور ازدهارها أو انحطاطها حتى كانت النكبة الكبرى بالقضاء على الخلافة العثمانية، وما عاشته الأمة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين من انسلاخ الأمة من ثوبها الإسلامي في العديد من أمور حياتها، ومن أبرزها الجانب التشريعي؛ الأمر الذي تحول معه الإسلام شيئا فشيئا حتى كاد ينزوي بين جدران المساجد لأداء الصلوات وبعض الطقوس التي غلب عليها الجانب الصوفي، ولكنها صوفية مشوهة تغيب العقل والوعي وتنحرف بمفاهيم الإسلام الصافية... وتضاءل دور علماء الإسلام وضعف تأثيرهم في الأمة.

في حين تعاظم دور العديد من المفكرين الذين ولوا وجوههم شطر الغرب وثقافته، فأصبحت قبلتهم وكعبتهم هناك في السوربون أو لندن، وهؤلاء كانت لهم اليد الطولى في تسيير الجانب الفكري والتعليمي في البلاد؛ الأمر الذي ترك أثره واضحا على خريجي المعاهد التعليمية والمدارس التابعة للدولة، فضلا عن انتشار مدارس الإرساليات والمدارس التبشيرية وإنشاء الجامعة الأميركية في لبنان ثم في مصر.