مهنا الحبيل

يحاول حراك اليسار المتحول في‮ ‬الخليج لتبرير عدائه الشديد للفكر الإسلامي‮ ‬السني‮ ‬تحديداً‮ ‬من خلال ربطه المستمر بفكرة الثيوقراطية والتبعية لها وتكريس التنازل عن القيم الحقوقية مقابل صوت الوصاية الدينية،‮ ‬فيما هو‮ ‬يدعم هذا التوجه ذاته في‮ ‬الطائفية السياسية الشيعية،‮ ‬لكن الإشكالية الكبيرة التي‮ ‬تحرج هذا اليسار المهجن هو أنه‮ ‬يعلم أن الحالة الإسلامية السنية تمر منذ قرابة العقدين بتحولات كبيرة تستدعي‮ ‬القيم الإسلامية الحقوقية فضلاً‮ ‬عن حالة التحام بالمجتمع الأوسط والمسحوق التي‮ ‬مثلتها حالة البعث الإسلامي،‮ ‬وأضحت قريبة من قاعدة البرولتاليا حيث‮ ‬يتحول كثير من الإسلاميين إلى قوى رعاية اجتماعية لهذه المناطق والديمغرافيا الشعبية تلتصق بحالة الإنسان وتشاركه الحياة والخبز وإن وجدت حالات حزبية أو وعظية مرتزقة تختطف هذا الميدان؛ لكن الوضع العام‮ ‬يظل‮ ‬يسجل للحضور الإسلامي‮ ‬التكاتف فردياً‮ ‬وجماعياً‮ ‬مع الطبقات الكادحة‮. ‬وسبق أن قرأت في‮ ‬موقع الحوار المتمدن اليساري‮ ‬ترجمة لدراسة لأحد مفكري‮ ‬حزب العمال الثوري‮ ‬اليساري‮ ‬المناهض لحزب العمال البريطاني‮ ‬حملت قراءة جديدة وثورية في‮ ‬البعد الفلسفي‮ ‬الفكري،‮ ‬خلص فيها القيادي‮ ‬الإنجليزي‮ ‬إلى أن على اليسار أن‮ ‬يعيد تقييمه لحراك ومستقبل القوى الدينية،‮ ‬وقال إن الأمر لا‮ ‬يقتصر على مجرد التحالف مع هذه القوى بل رأى أنها تملك قرار التغيير المستقبلي‮ ‬في‮ ‬نهضة الشعوب والعالم المحاصر من قبل البرجوازية العالمية وأن اليسار‮ ‬يجب أن‮ ‬يعيد وضعية موقفه من الإيمانيات الرئيسة واحترامها والخروج من عقدة‮ ''‬الدين أفيون الشعوب‮''.‬

وكان‮ ‬يركز على الدين الإسلامي‮ ‬كقوة صعود كبرى تكاد تحتكر ساحة المستقبل،‮ ‬ولنا نظرة تقييمية مختلفة في‮ ‬قضية بدء مرحلة تصدع وانهيار التنظيمات الحزبية التي‮ ‬احتكرت الساحة الإسلامية وهي‮ ‬تنطلق من أن صعود الاستقلال الإسلامي‮ ‬ببعده المتنوع حضارياً‮ ‬ونضالياً‮ ‬ودستورياً‮ ‬واجتماعياً‮ ‬يمثل نقطة انطلاق قوية للمشروع الإسلامي‮ ‬ووصوله إلى مرحلة كسر القالب الحزبي‮ ‬المتصدع وإلى صناعة المشروع التقدمي‮ ‬الإسلامي‮.‬

هنا تبرز المفارقة الكبرى؛ فاليسار المهجن‮ ‬يصطف مع الطائفية السياسية الغيبية ومع الليبرالية الغربية ضد هذا التيار ويتوافق ضمنياً‮ ‬مع الغرب في‮ ‬مواجهة اليسار الجنوبي،‮ ‬وهو ما تركز في‮ ‬الفترة الأخيرة من خلال صيغ‮ ‬ومبادرات عديدة خلقت من هذه المجموعات تكتلات مساندة للفكرة الليبرالية متصلة بالأجواء البرجوازية ومتعلقة بها مستدعية للتحريض الثقافي‮ ‬وأحياناً‮ ‬الأمني‮ ‬ضد الحالة الإسلامية في‮ ‬الخليج العربي،‮ ‬بل ومبررة في‮ ‬بعض المناطق لإعاقة الإصلاح السياسي‮ ‬كون الحراك الاجتماعي‮ ‬الإسلامي‮ ‬سيحصد نتائجه‮.‬

في‮ ‬المقابل‮ ‬يتحد هذا اليسار الخليجي‮ ‬مع فكرة التحرر السلوكي‮ ‬التي‮ ‬تعتمدها القوى الليبرالية الغربية كبديل عن الإصلاح الاقتصادي‮ ‬والسياسي‮ ‬والحقوقي‮ ‬الشامل،‮ ‬والاكتفاء بحلقات الصراع مع البعد المحافظ لتفريغ‮ ‬الساحة الثقافية من حركة الوعي‮ ‬التقدمي‮ ‬للحقوق المدنية‮ ‬غير المصادمة للفكرة الإسلامية الحقوقية والدستورية،‮ ‬وهذا لا‮ ‬يعني‮ ‬عدم وجود خلل عميق في‮ ‬القاعدة الشعبية أكانت إسلامية أو محافظة قد تواجه الإصلاح الاجتماعي‮ ‬والحقوقي‮ ‬الفردي‮ ‬ويسيطر عليها العمق الثيوقراطي،‮ ‬لكن المدقق في‮ ‬حركة اليسار المهجن‮ ‬يجد أن هناك استعداداً‮ ‬لديه في‮ ‬التعاون مع هذه الثيوقراطية ومع البرنامج الغربي‮ ‬حتى آخر لحظة‮.. ‬المهم لديه هو منع فكر الإصلاح ما دام إسلامياً‮ ‬ولا حرج لديه أن‮ ‬يهتف وبصورة الزعيم العظيم تشي‮ ‬غيفارا تحت راية الرئيس جورج بوش الصغير ومن على حاملة السفن الامبريالية الإعلامية والسياسية والعسكرية التي‮ ‬تجوب العالم وفي‮ ‬الخليج والتي‮ ‬كانت ولاتزال ترسو وتبحر فيما‮ ‬يصطف مناضلي‮ ‬اليسار الجديد لتحية مشروعها الليبرالي