عبيدلي العبيدلي
لقي 39 شخصاً حتفهم، وجُرح نحو مئة، في هجوم انتحاري مزدوج laquo;استهدف تجمعاً لمصلّين شيعة كانوا يشاركون في مراسم عاشوراء جنوب شرقي إيرانraquo;، وأعلن تنظيم (جند الله)، كما تناقلت وكالات الأنباء مسئوليته عن ذلك العمل. وقال نائب وزير الداخلية الإيراني علي عبدالله إن laquo;المعدات وإمكانات الدعم اللوجيستي للعناصر الإرهابية التي نفذت الهجوم، تشير إلى أنهم إرهابيون ينتسبون إلى مجموعات متطرفة تدعمها أجهزة استخبارات متطورة لدول إقليمية وأميركاraquo;.
في الفترة ذاتها لقي laquo;ما يزيد على عشرة أشخاص مصرعهم وجرح العشرات في عدة هجمات استهدفت الزوار الشيعة بأنحاء مختلفة في العراق، وأصيب 14 شخصاً آخرين، على الأقل، بانفجار قنبلة قرب موكب للزوار الشيعية في منطقة (خالص) بديالى، وهو ثالث هجوم من نوعه تشهده المحافظة التي يقيم بها خليط من العرقيات، بعد هجومين انتحاريين يومي الأحد والإثنين الماضيين خلفا خمسة قتلى وعشرات المصابينraquo;.
هذان نموذجان لملخص ما تناقلته وكالات الأنباء عن عمليات عنف بدأت تجتاح، في الآونة الأخيرة، العديد من البلدان الإسلامية. ليس ما يحدث في العراق وإيران سوى نماذج صارخة من تلك العمليات التي باتت تسيء للعالم الإسلامي وتشوه صورته في آن. وما أن يُعلن عن مثل هذه الأعمال الإرهابية، حتى تذيل أخبارها بفقرة تشير إلى أنها تعبير عن laquo;صراع داخلي بين الطوائف الإسلامية المختلفةraquo;، ويعكس الاختلافات المحتدمة فيما بينها.
ما يحز في النفس هو أن تفسير تلك الأحداث، عند محاولة تحديد الأسباب الكامنة وراءها، والسعي للكشف عن القوى التي تقوم بها، والصراعات التي تدور في أفقها، يتجه نحو محور واحد، لم يعد نسمع عن آخر سواه، هو laquo;الطائفيةraquo;. هذا ما تردده الأجهزة الرسمية في البلدان الإسلامية، عندما تنقل لمواطنيها، والعالم أيضاً تفاصيل تلك الأعمال الإرهابية.
تعبر هذه الأحداث والتفسيرات المرافقة لها عن تشظٍ حقيقي أصبح يمزق وحدة العالم، وكذلك الفكر، الإسلامي اليوم، ويحوله إلى كتل سياسية وفكرية ميكروبية، تضعف هذا العالم داخلياً من ناحية، وتقزّم دوره الدولي على الصعيد الخارجي من جهة ثانية.
هذه الحالة الإسلامية المتشرذمة والناجمة عن انقسامات، يحلو للبعض إضفاء جوانب عقيدية، وفلسفية عليها، شبيهة، إلى حد بعيد، بما عانت منه الحركة الشيوعية من الانقسامات الفسيفسائية التي مزقت وحدتها في الستينيات من القرن الماضي، عندما تبلورت في صفوف تلك الحركة مجموعة من الخطوط الإيديولوجية، انطلقت جميعها دون أي استثناء من أرضية الفكر المارسكي - اللينيني، لكنها كانت تحاول حينها، وبصدق، التعبير عن تمردها على علاقات الهيمنة التنظيمية والسياسية التي كانت تحكم العلاقات الداخلية للحركة الشيوعية المنضوية تحت قيادة الأممية الشيوعية التي كان يسيرها الحزب الشيوعي السوفياتي. برزت حينها الكتل laquo;الشيوعيةraquo; الرئيسة التالية: الكتلة الشيوعية الصينية، الكتلة الشيوعية الأوروبية الغربية، اليسار الجديد، بالإضافة إلى الغيفارية، التروتسكية... إلخ. وباستثناء المحاور الرئيسة الثلاثة الأساسية، والتي كانت: السوفياتية، والصينية، الشيوعية الأوروبية، فقد كانت البقية عبارة عن تجمعات صغيرة بدأت تتكاثر بشكل فطري ولفتت الكثير من الأنظار، ولقيت الكثير من التعاطف، لكنها كانت قصيرة الأجل، وبشكل ملحوظ.
حينها، وسعياً منها للاستفادة من تلك الوضعية المتمزقة، تحركت كتلة laquo;الناتوraquo;، بقيادة الولايات المتحدة، وانطلاقاً من تناقضها الرئيس على المستوى العالمي مع الاتحاد السوفياتي في اتجاهين، الأول هو نسج علاقات مع الكتلتين الرئيستين الأخريين: الصين والشيوعية الأوروبية، من أجل نسج علاقات تحالفية معها، وتجيير ذلك التحالف ضد الكتلة السوفياتية، اختراق تلك التنظيمات الصغيرة من أجل عزلها عن الاتحاد السوفياتي، إمعاناً في تضييق طوق الحصار المفروض حوله. من الخطأ أن يقودنا ذلك إلى تصنيف أي من تلك القوى، بما فيها تلك الصغيرة، على أنها عميلة لمخابرات الكتلة الغربية. المقصود هنا أن تلك المخابرات، لم تتردد من أجل تشكيل جبهة عالمية واسعة عريضة ضد laquo;عدوها الأساسيraquo;، حينها والذي كان الاتحاد السوفياتي، من أن تمد يدها نحو قوى تتعارض مصالحها معها، لكن ذلك التعارض، ومن منطلقات أوروبية غربية، لم يكن يرقى حينها إلى مصافّ التناقض الأساسي الذي كان يحكم قوانين الصراع الرئيسي بينها وبين الاتحاد السوفياتي.
نستحضر تلك الحالة، لأنها تتكرر اليوم، لكن ليس ضد الاتحاد السوفياتي، كما كانت عليه الحال في ستينيات القرن الماضي، لكن ضد العالم الإسلامي، نظراً لانتصار الثورة الإسلامية في إيران أولاً، وبروز الجمهورية الإسلامية ثانياً، وبفعل تنامي حضور الإسلام السياسي السني المعارض laquo;عسكرياًraquo; للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق ثالثاً. إذ أصبحت الولايات المتحدة، ومن ورائها الغرب، تجد نفسها في صدام عسكري شبه يومي ومستمر، مع الإسلام وقواه السياسية، دولاً كانت أم ليست في السلطة. هذه الحالة شبيهة، مع الاحتفاظ بالاختلافات بين الحالتين (السوفياتية والإسلامية)، بما كانت عليه الحالة بين الغرب والحركة الشيوعية في النصف الثاني من القرن الماضي، وقبل انهيار الكتلة السوفياتية.
ليس المطلوب أن يقودنا ذلك إلى القول إن ما يجري اليوم في العالم الإسلامي هو laquo;مؤامرة أميركيةraquo; أو أخرى غيرها، بقدر ما نود التأكيد على أن هناك مصلحة أميركية مباشرة في تفتيت العالم الإسلامي، فكرياً كان ذلك التمزيق أم سياسياً. فإضعاف العالم الإسلامي اليوم، هو مهمة تحاول أن تنجزها القوات الأميركية قبل أي انسحاب من أيٍّ من دول هذه المنطقة. والمطلوب من القوى الإسلامية أن تدرك هذه الحالة، وتبادر إلى تجميد صراعاتها الثانوية، والتركيز على تناقضها الرئيسي الذي هو ضد الولايات المتحدة، كي لا يؤول بها المطاف إلى ما انتهى إليه الاتحاد السوفياتي. لذا ربما أصبحت دول العالم الإسلامي مطالبة بالتفتيش بصدق، عن نقاط الالتقاء وتقزيمها، بدلاً من التركيز على عناصر الاختلاف وتضخيمها ومن ثم إبرازها.
هناك أخطار كثيرة محدقة بالعالم الإسلامي، تحتاج إلى ثغرات تنفذ منها كي تحقق أهدافها. وليس هناك ما هو أفضل من الصراعات الداخلية الذاتية، التي ما لم توضع في مكانها الصحيح، وتعطى الحيّز الذي تستحقه، فربما تكون laquo;كعب أخيلraquo; الذي ينفذ منه الأعداء الخارجيون لإضعاف العالم الإسلامي وإحكام قبضتهم عليه.
التعليقات