سمر المقرن


يخطئ كثير من المنتمين للتيار quot;المتشددquot; حين يظن أن نقد الإسلاميين هو نقد للإسلام، وأن الحوار معهم يعني الحوار مع الإسلام أو ثوابت الإسلام، يخطئ كثير من هؤلاء عندما يظنون أنهم يمثلون رؤية إسلامية خالصة، ويخطئون أكثر عندما يعتقدون أنهم يرون في تبنيهم للتيار المتشدد نوعاً من المفاصلة بين الإسلام وغيرهم، ذلك أن التيار المتشدد في أي بلد إسلامي يقدم نفسه كمفسر وحيد للإسلام، وأنه دين لا يمكن أن يحمل أكثر من تفسير لحالة واحدة. وهذه الرؤية الأحادية هي في حقيقة الأمر نقطة المفاصلة بين الإسلاميين وغيرهم، هو التفسير الأحادي للانتماء للدين. الدين جزء ثقافي من حياتنا ولا يمكن أن نتخيل أي انفصال عنه، لكن تبقى الرؤية ما هو الإسلام، من يفسر الإسلام، أي رؤية هي التي تمثل الإسلام، وهل الإسلام هو صورة واحدة لا تتكرر؟
هذه الأسئلة ومحاولة التفكير في إجاباتها تعطينا قدرة كبيرة نحو تفسير علاقتنا مع التيار المتشدد، وتبرز أهم صفاته في أن له رؤية عنيفة وحادة ويميل للتحريم، ويميل للرأي الواحد ولديه القدرة لإيجاد مبرراته الخاصة ودعمها بنصوص قوية ساعة، ونصوص واهية أحياناً من أجل دعم رؤيته، واستخدام وسائل الترهيب والترغيب التقليدية لتخويف الناس من تقبل أي رأي آخر، ولديهم قدرة أيضاً على نسف نظرية النسبية في الصواب والخطأ، فهم يرون أن الصواب في الرأي يصل لمائة في المائة معهم، والنسبة الأخرى صفر بالمائة، وهذا يعني أنه على حق وصواب لا يحتمل الخطأ.
إن هناك تضليلاً على العامة بحكم العاطفة الدينية، فمن يميل للدين عليه أن يكون أكثر قرباً من الله، وبناء عليه من يميل للتحريم فهو أقرب إلى الله، وهو من التضليل الديني أيضا، لأنه سبحانه وتعالى يُحرّم تحريم الحلال كتحريمه لتحليل الحلال بل أشد، لأن أصل الأشياء الإباحة، والله سبحانه وتعالى منح خلقه مساحة كافية للحياة في المباحات كبيرة جداً لا تنافس المسافة على المساحة على المحرمات، فهي محدودة وقليلة مقارنة في أصل الأشياء -والأشياء لا حدود لها- في تحليلها وجعلها مساحة حرية للناس.
إن هناك ما هو أهم من معرفة الحلال والحرام، هو معرفة مقاصد الشريعة التي ضل الناس عنها، فصاروا يميلون للتحريم من أجل التحريم، ويكرهون الحلال لأنه لا يعطيهم الإشباع النفسي، لأن هناك من يدعم رؤية أن التحريم أكثر للأجر والمثوبة عند الله وتلك الرؤية quot;المثلوبةquot; هي رؤية منتكسة لا علاقة لها بمقاصد الشريعة وهي أن الله سبحانه وتعالى إنما يحلل ويحرم لما هو صالح البشرية، وأنه بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل قرآناً كريماً يتلى بين الناس من أجل شيء واحد فقط: هو أن يعبد الله الناس كما يريد الله على سنة الله لا كما يهواه البشر.