مصطفى الخلفي


لم يتردد محررو نتائج أحدث استطلاع رأي عالمي لمؤسسة laquo;بيوraquo; للتوجهات العالمية في اختيار مفردة laquo;الخيبةraquo; لتوصيف الحالة العامة للموقف الإسلامي تجاه الرئيس الأميركي باراك أوباما، حيث حمل مؤشرات دالة عن تراجع وازن في الموقف العام من الولايات المتحدة، بلغ في بعض الحالات مستويات دنيا تقترب من الحضيض في حالة دول مثل باكستان، وهي نتيجة حملت قدرا من المفاجأة لصانع القرار الأميركي بالنظر لحجم الاستثمار الذي بذل في مجال الدبلوماسية العامة تجاه العالم الإسلامي، فضلا عما عبرت عنه دوائر واشنطن المهتمة بالسياسة الخارجية من وجود نزوع واضح للتغيير وتصحيح أخطاء إدارة الرئيس السابق جورج بوش انعكس على عدد من المبادرات والمواقف التي أعلن عنها في خطاب القاهرة قبل حوالي السنة وكان من المفروض أن تظهر آثارها في ارتفاع ثقة العالم الإسلامي في أوباما وليس العكس، وخاصة أن هذه المبادرات بحسب هذا الخطاب كانت وازنة مثل ما يهم ملف العراق وانطلاق السحب التدريجي للقوات الأميركية هناك أو ما يهم ملف معتقل غوانتنامو أو عودة التوتر العلني وإن كان محدوداً في العلاقات بين أميركا وإسرائيل، ولاسيما ما تعلق بقضايا الاستيطان والقدس.
يتيح الوقوف المعمق عند نتائج الاستطلاع تفسير المفارقة السابقة بين نتائج تكشف عن إحباط وتوقعات تنتظر الانفراج، وهي المفارقة التي يغذيها من جهة أولى أن الاستطلاع في نتائجه العامة والتي أعلن عنها أواسط هذا الشهر، صدر عن مؤسسة ترأسها قيادة سابقة في الإدارة الديمقراطية لكلينتون ووزيرة خارجيته في ولايته الثانية مادلين أولبرايت، مما يدفع كل تشكيك في نزاهة أو موضوعية الاستطلاع، ومن جهة ثانية أن التراجع لم يكن مسألة خاصة بالعالم الإسلامي، بل كشفت النتائج عن تراجع عام في مواقف الرأي العام للدول الـ22 التي شملها الاستطلاع وذلك من أميركا وهو الموقف الذي ارتفع مع مجيء أوباما وتشكل إدارة جديدة، مما اعتبر آنذاك أحد عناصر القيمة المضافة له، لكن اليوم نجد أن هذا الرصيد يعيش حالة تحلل ظهرت بشكل جلي في نتائج الاستطلاع الخاصة بدرجة توقع قدرة أوباما على تصحيح اختلالات السياسة الأميركية، حيث تراجع في حالة الصين بـ10 نقاط وفي كل من الأرجنتين والمكسيك بـ12 نقطة.
يمكن تصنيف النتائج الخاصة بالعالم الإسلامي والتي شملت 7 دول ثلاث منها عربية، في ثلاث خانات، الأولى تهم خانة الدول المحيطة بفلسطين وهي الأردن ولبنان ومصر وكانت متقاربة، أما الخانة الثانية فهي خانة الدول التي تعرف توترات وتحديات تهم استقرارها الداخلي في المحيط الخارجي لها، وذلك بفعل السياسة الأميركية في هذا المحيط وهي حالة كل من باكستان مع التدهور الأمني المستمر للوضع في أفغانستان وحالة تركيا مع تطورات الوضع في العراق عموما وكردستان خصوصا، أما الخانة الثالثة فتشمل الدول المعنية بالسياسة العامة لأميركا أمثر منها السياسة المباشرة تجاه تلك الدول وهي حالة كل من إندونيسيا ونيجيريا.
المشترك الواضح بين الخانتين الأولى والثانية، هو أن التوقعات الإيجابية كانت في الأصل محدودة رغم تحسنها الدال مقارنة مع عهد بوش الابن، إلا أن سنة من مراقبة أداء السياسة الخارجية الأميركية كانت كافية لبدء تسجيل العودة إلى الموقف السلبي الحاد، وهي عودة كانت أكثر وضوحا في حالة الخانة الثانية بالمقارنة مع دول الخانة الأولى فقد بلغت في الأردن 74 في المائة بعد أن كانت في سنة 2009 في حدود 70 في المائة، وفي مصر بلغت نسبة 69 في المائة بعد أن كانت في السنة الماضية 59 في المائة أو حالة لبنان التي لم تختلف كثيرا عن حالة مصر وذلك بنسبة عدم ثقة 65 في المائة بعد أن كانت في سنة 2009 في حدود 55 في المائة، أما في حالة دول الخانة الثانية فقد بلغت نسبة عدم الثقة في أوباما داخل باكستان ما نسبته 92 في المائة، وفي تركيا ارتفعت نسبة عدم الثقة إلى 77 في المائة متقدمة على الدول العربية الثلاث الآنفة الذكر. وبخصوص إندونيسيا ونيجيريا نجد أن الوضع مختلف فحالة عدم الثقة عند الأولى كانت في حدود 35 في المائة بعد أن كانت في 2009 في حدود 30 في المائة، وعند الثانية في حدود 23 في المائة بعد أن كانت في حدود %19 في السنة الماضية، ورغم أن النسبة أقل بالمقارنة مع دول الخانتين الأولى والثانية إلى أن التراجع في الدرجات كان متقاربا.
يصعب في هذا الحيز الذهاب بعيدا في تحليل دلالات نتائج الاستطلاع، لكن يمكن الاكتفاء بإثارة ثلاث دلالات، الأولى أن العالم الإسلامي ينتظر إجراءات ملموسة وكلية وغير انتقائية وأن خيبته العميقة دالة على غياب تلك الإجراءات وأن أثر ما أعلن كان محدودا في التأسيس لصفحة جديدة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، الثانية أن الوضع في فلسطين وأفغانستان يمثل المحدد الأساسي لقياس مدى التقدم في بناء هذه الصفحة، فكسب الرأي العام الإسلامي ممكن لكن ذلك مشروط بتغيير حقيقي في السياسات، والثالثة هي أن دور الشخص ممثلا في أوباما في تغيير تلك السياسات يبقى محدودا فالنظام السياسي الأميركي والبنية المعقدة لصنع وتنفيذ القرار فيه تفرض مراجعة النظرات المثالية لدور التغيير في رأس الإدارة على توقع حصول تغييرات جذرية في السياسات.