محمد فهد القحطاني

كنا من قبل نشيد بالتجربة الديمقراطية الكويتية التي كانت تعتبر وبحق الأولى على مستوى الوطن العربي، والتي أخذت أحسن ما أنتجته الحضارة الغربية في هذا المجال، وتركت ما يتعارض مع مرجعيتها الدينية، وتوجهاتها الثقافية، وأعرافها المحلية الصحيحة، وهذا ما يحمد للقيادات السياسية الكويتية السابقة التي دأبت على التعامل الهادئ مع المعارضة الشعبية، أو بالأصح الرأي الآخر الوطني، ولم تأخذها من قبل العزة بالإثم، وتعتبر كل من يعارض قرارا من قراراتها عميلا يستحق أن تعلق له المشانق، أو أن يوصف بوصف laquo;جيوب الردةraquo; أو laquo;الخوارجraquo; أو laquo;المولولونraquo;، كما تزخر بذلك أدبيات أدعياء الديمقراطية من القيادات السياسية العربية في المشرق والمغرب العربي..
ولم نتعود من القيادات السياسية الكويتية من قبل أن يتخبطها الشيطان من المس إذا تقاطعت الأفكار والآراء بين الحكومة والمعارضة تحت قبة البرلمان، ولم يعرف تاريخ الحراك السياسي الكويتي من قبل رايات احتكار الحقائق من قبل طرف على حساب طرف آخر، ولم ترفع راية الخيانة السياسية في وجه المعارضة الكويتية سابقا، ولم تقم الحكومة الكويتية في ما سلف حد الإرهاب الفكري على رأي يناقض آراءها..
فما الذي دفع الحكومة الكويتية للتراجع عن كل هذه المكتسبات، وافتعال معركة لا ضرورة لها، ولا أسباب منطقية لحدوثها مع نواب الشعب، وفي ندوة ترفع شعار يتفق الجميع على احترام دلالته ألا وهو شعار laquo;إلا الدستورraquo;..
لقد خسرت الحكومة الكويتية للأسف بهذه المعالجة البوليسية الكثير من شعبيتها، وفقدت بعضا من صدارتها وجدارتها في تمثيل الصورة الوحيدة والحقيقية للممارسة الديمقراطية في المنطقة، وأعطت الآخرين المتقاعسين عن السير في نهج المشاركة الشعبية الضوء الأخضر للاستمرار في نهجهم غير الديمقراطي، وفتحت المجال بهذا التصرف العنيف غير المبرر لكل متصيد في الماء العكر أن يقوم بشيطنة التجربة الديمقراطية الكويتية ككل، والعجيب في الأمر أن ردة الفعل الحكومية لم تكن لها دواع أمنية، فلم تكن الندوة تجمعا فوضويا، وإنما هو احتجاج سلمي قام به صفوة المجتمع الكويتي من أعضاء مجلس الأمة نواب الشعب، ومن أصحاب الاختصاص من القانونيين، وكان الهدف منه حماية الدستور من التعديلات غير الدستورية على نصوصه، والتحذير من انتهاك الحريات العامة المقررة في أحكامه، وهذا أمر يستحق أن تتفق كل أطياف المشهد السياسي الكويتي على فحواه، سواء كانت محسوبة على الحكومة أو في صف المعارضة.
نحن ولا شك نقدر التجربة الديمقراطية الكويتية ككل، ونطالب باستنساخ نموذجها وتطبيقه في دول الخليج الأخرى، مهما اعترى هذه التجربة هذه الأيام من قصور، ولهذا السبب على وجه الخصوص انصدمنا بهذه الواقعة التي كنا نستبعد من قبل أن تقدم عليها الحكومة الكويتية، فلم نسمع من قبل أن الديمقراطية الكويتية لها أنياب بوليسية، تنهش في لحم الجسد الوطني الواحد..
ومن هذا الباب -باب الاحترام والتقدير لتاريخ الديمقراطية الكويتية المشرق- نحث الطرف الحكومي على اعتماد أسلوب التعامل الحكيم -كما عودنا سابقا- مع ردة الفعل البرلمانية المعارضة، وبغض النظر عن الاتفاق والاختلاف معها أو مع أجندتها، المهم والأهم ألا يرمي هذا الموقف وذاك من مواقف المعارضة بكل نقيصة وتهمة، فهو في الأول والأخير يمثل بشكل شرعي قطاعا من الشعب الكويتي، قل أو كبر، ومن حقه أن يستمع له، وأن يترك المجال أمامه مفتوحا لإبداء رأيه، خصوصا أنه لم يستخدم إلا الوسائل السلمية للوصول إلى ذلك..
ولقد اعتدنا من قبل أن الحكومة الكويتية تقضي على الفتنة في مهدها، وتجفف منابع الاحتقان والتشتت في أسرع وقت، وذلك باستماعها لهموم وشجون الرأي الآخر، وكفالة حق الجميع في الدفاع عن شعار laquo;كويت حرة مستقلةraquo;، واعتناقها مبدأ اختلاف الرأي laquo;الوطنيraquo; لا يفسد للود قضية، وأن الديمقراطية والمشاركة الشعبية أفعال وليست أقوالا وشعارات ترفع وقت قضاء الحاجة، وترمى بالحجارة ساعة انقطاع الإرسال عن ولولة وصراخ الحكومة.. لهذا كله نتمنى من laquo;حليمةraquo; العودة إلى عادتها القديمة.. وتحية آجلا وتقديرا لكل صاحب رأي يحاول إعادة المياه الديمقراطية في الكويت إلى مجراها الطبيعي، ويمنع أصابع العبث من إطلاق النار العشوائي على كل رأي مخالف للتوجهات الحكومية، وينزع فتيل الأزمة، ويحد من نطاق التأزم بين الحكومة والمعارضة في الكويت الحبيبة. والسلام.