ظافر محمد العجمي
يعد مجلس التعاون أكبر تجمع للآمال العظام في الشرق الأوسط، ويسند هذه الآمال، قاعدة ضخمة من أسباب التفاؤل، فمجلس التعاون لدول الخليج العربية هو أنجح منظمة إقليمية في الشرق الأوسط، من حيث ضخامة الاقتصاد الذي يمثله، ومن حيث عمره وصموده في وجه العواصف، ومن حيث تجانس نسيجه السكاني. لكن التقرير الصادر عن شركة laquo;الشالraquo; للاستشارات الاقتصادية في الأسبوع الماضي قام بتغليف تلك الآمال بغلالة داكنة. فالتقرير يرى أن مسيرة المجلس لا تفرق بين العناوين ومحتوى تطبيقها، ولا يوحي ما هو تحتها بتقدم رئيسي مبرمج في التعامل معها.
لقد أوجعنا تقرير الشال لأننا كنا نعتقد أن الاقتصاد هو المحرك لعربات قطار التعاون، وآلمنا لأننا قبلنا عدم تحقق المواطنة الخليجية بمعناها الواسع بما تيسر من المواطنة الاقتصادية التي قيل إنها حققت خطوات جادة ممتطية صبرنا لثلاثين عاما على أمل أن تفتح بقية أبواب العمل الخليجي المشترك الأخرى.
ففي مؤتمر أبوظبي الـ31 قبل أسابيع -كما يقول التقرير- خص البيان الختامي الاقتصاد بستة عناوين رئيسية، لا يوحي مضمونها بتقدم ملموس، فالاتحاد الجمركي ما زالت تحد من انطلاقه بشكل تام القوانين والقرارات القُطرية. والسوق الخليجية المشتركة، وهو مفهوم متقدم للاتحاد الجمركي ومرحلة من مراحل السوق المشتركة تحول دونه تشريعات قُطرية مانعة أيضا، بينما كل ما قررته القمة، تحصيل حاصل، مثل المطالبة بالسماح للشركات الخليجية بفتح فروع لها في دول المجلس ومعاملتها معاملة فروع الشركات الوطنية.
أما مشروع الاتحاد النقدي فقد استبق الأمين العام لمجلس التعاون مؤتمر أبوظبي بالتمني على الإمارات العودة عن قرارها بالانسحاب من المشروع، وهي ثاني أكبر اقتصاد في المجموعة. وجاء رد محافظ مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي سريعاً وقاطعاً بأنه لا تغيير في موقف الإمارات.
أما مشروع الربط الكهربائي، وهو مشروع يفترض أنه اكتمل بين أربع دول، ويفترض أن تضاف الإمارات في عام 2011، ثم عمان في عام 2012 فيذهب الشال إلى أن نفع هذا المشروع قليل إلا في حالات الطوارئ، لأن وقت الذروة للاستهلاك موحد في الدول الست.
ثم يأتي أخيرا مشروع سكة الحديد، الذي ما زال في مرحلة الدراسة، وقد يتوقف القطار حتى إنجاز دراسته لنحكم على اقتصاداته.
خلصت بعد أن لف الشال بتحليله الداكن آمالنا الاقتصادية، أنه لم يبقَ لنا أمل إلا في التعاون في المجال العسكري، والدفاع المشترك فهو الضرورة القصوى في بيئة أمنية سيئة الطباع ولا نستطيع أن نحسن الظن بها.
لقد استعرض المجلس الأعلى ما رفعه مجلس الدفاع المشترك في دورته التاسعة في دولة الكويت بتاريخ 9 نوفمبر 2010، بشأن مجالات التعاون العسكري والدفاع المشترك، واطلع على الخطوات والجهود التي تبذل لتعزيز قوات درع الجزيرة المشتركة وتطويرها، وكذلك سير العمل في تطوير المشاريع العسكرية المتعلقة بالاتصالات المؤمنة وحزام التعاون، لكن ذلك كله ملفات ما برحنا نقرأ عناوينها في كل قمة، فلم نصبح أكثر شعورا بالأمن جراء تكرارها دون أن نرى تقدماً في تكوين قوة خليجية عسكرية فاعلة بما تحدثه في المشهد الاستراتيجي الخليجي.
لقد تجاوزت القمة الأخيرة ملفات تم طرحها في القمة السابقة ومنها إنشاء لواء التدخل الخليجي، والاستراتيجية الموحدة، بل إن البيان الختامي قد تجاوز البعد الاستراتيجي لأمن الخليج، مثل مبادرة اسطنبول والتعاون مع حلف شمال الأطلسي وفراغ القوة بعد خروج الأميركان من العراق، فأمن الخليج من أعمق الجدليات التي تتكرر، والبعد الاستراتيجي لأمننا بمساعدة حلفائنا هو الصيغة المثلى لأمن الخليج من المنظور الخليجي، ونقصد بوضوح تحقيق توازن إقليمي بمساعدة الغرب جراء ضعف منظومة الأمن الجماعي الخليجي.
لقد خلص تقرير الشال الداكن إلى أننا سنظل نعتقد أن مشروع التعاون بين الدول الست مشروع مستحق ولا بد من دعمه، ولكنه على أرض الواقع لا يعمل كما يجب، حتى عند مستوى الحد الأدنى، سواء عند مقارنته بالتجمعات الأخرى أو حتى بالذهاب بالتاريخ إلى ما قبل تأسيسه، قبل 30 سنة؛ حيث تحتاج مسيرة المجلس إلى بعض الإنجازات المحكمة والسريعة حتى لو كانت صغيرة، مثل التنقل بين دوله بالبطاقة الشخصية، فالقناعات تترسخ عندما تتحقق إنجازات تتعلق باحتياجات معظم الناس، حتى لو تخلى المجلس عن العناوين الكبيرة الفاقدة المحتوى، ولأن خليج الآمال العظام لم ينضب بعد فلا زلنا نتطلع إلى ما تضمنته رؤية دولة قطر، ورؤية مملكة البحرين، لتطوير مجلس التعاون، وتفعيل دوره، فلعل وعسى.
التعليقات