خليل العناني

عندما وصل باراك أوباما إلى السلطة تهكّم عليه الرجل الثاني في تنظيم laquo;القاعدةraquo; أيمن الظواهري واعتبره مجرد نتاج لآلة صناعة النجوم في أميركا، بل تجاوز أكثر من ذلك حين لمّح إلى أصل أوباما الأفريقي ولون بشرته السوداء. وقد كانت تلك محاولة أولى من الظواهري لاستفزاز أوباما وجرّه إلى ميدان المعركة التي أشعلها التنظيم عشية الحادي عشر من سبتمبر 2001، وسايره فيها المحافظون الجدد بقيادة جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني.

وقد بدا واضحاً في كل الخطابات والتسجيلات الصوتية التي وجهها الظواهري وأسامة بن لادن على مدار العام الماضي، أن وصول أوباما الى السلطة شكلّ تهديداً جدّياً لاستراتيجية تنظيم laquo;القاعدةraquo; التي تقوم على إبقاء العلاقة ملتهبة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وإطالة أمد ما يسمّى laquo;الحرب على الإرهابraquo; أطول فترة ممكنة، وذلك من أجل تحقيق هدفين أساسيين أولهما توفير غطاء شعبوي للعمليات التي يقوم بها التنظيم سواء ضد الولايات المتحدة أو ضد حلفائها، وثانيهما، استمرار حال الاستنزاف المادي والعسكري لأميركا بما قد يمهد لسقوطها laquo;المدوّيraquo; كما يأمل ابن لادن والظواهري.

وقد حاولت laquo;القاعدةraquo; أكثر من مرة جرجرة أوباما إلى معركة مفتوحة سواء من خلال رفع نبرة التهديد والوعيد ضد شخصه وسياساته، أو من طريق تنشيط بعض البؤر laquo;القاعديةraquo; الصاعدة كما هي الحال في اليمن والصومال وباكستان. بيد أن هذه المحاولات قد باءت بالفشل فى ظل إصرار أوباما على المضي قدماً في سياسة laquo;اليد الممدودةraquo; سواء في مواجهة الخصوم (مثل إيران وسورية) أو من خلال تحسين العلاقة مع العالم الإسلامي.

ولم يكن من سبيل أمام تنظيم laquo;القاعدةraquo; سوى البحث عن طريقة قوية لتوريط أوباما وجرّه إلى معركة مفتوحة، فكانت محاولة تفجير الطائرة الأميركية فوق مدينة ديترويت الأميركية عشية عيد الميلاد، بالإضافة إلى اغتيال سبعة من عناصر الاستخبارات المركزية الأميركية في مدينة خوست الأفغانية. وقد كانت هاتان العمليتان بمثابة القشة التي قصمت ظهر أوباما ودفعته إلى ضرورة التوقف وإعادة الحسابات في ما يخص الحرب على الإرهاب وكيفية التعاطي مع تنظيم laquo;القاعدةraquo; وتهديداته.

ولعل من سوء حظ أوباما أن دخوله في دوامة الصراع مع تنظيم laquo;القاعدةraquo;، يترافق مع إخفاق واضح في التعاطي مع بقية ملفات السياسة الخارجية الأميركية، كما هي الحال في ما يخص الصراع العربي - الإسرائيلي والعلاقة مع إيران، ناهيك عن معالجة الانقسام السياسي في العراق. وهو ما سيعقّد حتماً من مهمته في ملاحقة تنظيم laquo;القاعدةraquo; المركزي وذيوله العربية.

وباعتقادي أن معضلة أوباما لا تكمن فحسب في كيفية محاربة تنظيم laquo;القاعدةraquo;، وهو ما فشل فيه سلفه طيلة ثماني سنوات، وإنما أيضاً في كيفية إقناع الأميركيين بقدرته على حماية أمن بلادهم. فقد كشفت الأسابيع القليلة الماضية عن حجم التوتر والذعر الذي أصاب الأميركيين بعد محاولة التفجير الفاشلة التي قادها النيجيري عمر الفاروق، واعتقاد الكثيرين منهم بضعف أوباما في حماية أمنهم القومي. في حين لم يتورع الجمهوريون عن انتقاد أوباما، وأحياناً إهانته، بسبب خططه واستراتيجيته في التعاطي مع التهديدات الأمنية المتلاحقة لبلادهم، والتي وصلت إلى مستوى غير مسبوق منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

وقد كان الحل السريع أمام أوباما من أجل تهدئة الأميركيين وامتصاص غضبهم أن يتم الإعلان عن حزمة جديدة من الإجراءات الأمنية داخل الموانئ والمطارات الأميركية، والتي أغضبت كثيرين حول العالم بسبب اللغط القانوني والشخصي الذي سيثيره تطبيق مثل هذه الإجراءات مستقبلاً.

وإذا كان أوباما قد قرر الدخول فى معركة laquo;كسر عظمraquo; مع تنظيم laquo;القاعدةraquo;، فإن ثلاث معضلات قد تجعل منها معركة مفتوحة النهايات سياسياً وعسكريا: أولها عدم قدرة أوباما على إيجاد مقاربة سياسية يمكنها أن تتوازى مع نظيرتها الأمنية والعسكرية في حربه على التنظيم، وهو ما يعني الفشل في فك الارتباط بين laquo;القاعدةraquo; من جهة، وحاضنتها السياسية والاجتماعية من جهة أخرى، وهو ما يبدو واضحاً في حالتي اليمن وأفغانستان.

ثانيها، عدم قدرة أوباما على قراءة العلاقة غير المباشرة بين تنظيم laquo;القاعدةraquo; من جهة، والأنظمة السلطوية التي تعتاش من الحرب الأميركية على الإرهاب من جهة أخرى. بعبارة أخرى، تدرك بعض الأنظمة أن وجود تنظيم laquo;القاعدةraquo; داخل أراضيها إنما يمثل حاجة ضرورية لها إما لتحقيق منافع سياسية (شرعية خارجية) واقتصادية (مساعدات مالية وفنية)، وذلك كما هي الحال في أفغانستان واليمن، وإما من أجل تحقيق مكاسب استراتيجية وضمان بقاء التحالف مع الولايات المتحدة، كما هي الحال مع باكستان التي تسعى لتحقيق توازن استراتيجي مع غريمتها الهند. وبالتالي باتت العلاقة بين هذه الأنظمة وتنظيم laquo;القاعدةraquo; أشبه بعلاقة laquo;زبائنيةraquo; مفيدة للطرفين.

المعضلة الثالثة هي في عدم قدرة أوباما على ضبط تحركاته الميدانية ضد تنظيم laquo;القاعدةraquo; من جهة، وتحسين علاقته بالعالم الإسلامي من جهة أخرى. فعلى رغم تراجع التأييد العربي والإسلامي لتنظيم laquo;القاعدةraquo;، إلا أن إصرار الولايات المتحدة على laquo;شيطنةraquo; التنظيم واتخاذه مبرراً لتوجيه ضربات عسكرية في هذا البلد أو ذاك سيمثل عائقاً أمام تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي. وأغلب الظن أن أوباما سيضطر إلى التضحية، ولو موقتاً، بعلاقته بالعالم الإسلامي من أجل تحسين وضعه السياسي داخلياً وتصوير نفسه باعتباره قادراً على حماية الأمن القومي الأميركي.

وباستقراء النهايات الممكنة لهذه المواجهة المفتوحة، فإن ثلاثة سيناريوات تظل هي الأرجح، أولها أن يخفّض أوباما سقف توقعاته من هذه المواجهة، وأن يؤديها فقط من أجل ذر الرماد في عيون منتقديه وضمان الحصول على ثقة الأميركيين مجدداً. وهو ما قد يحدث من خلال إرسال مزيد من القوات إلى مناطق الصراع، فضلاً عن تشديد الإجراءات الأمنية.

ثانيها، أن يركز أوباما على اصطياد أكبر قدر ممكن من رؤوس التنظيم، حبذا لو كانت رأسي ابن لادن أو الظواهري (وربما أنور العولقي وناصر الوحيشي وسعيد الشهري في اليمن).

ثالثها، أن يعيد أوباما النظر في مسألة الحرب على الإرهاب كلياً، بما قد يضمن له انسحاباً استراتيجياً من بؤر الصراع مع تنظيم laquo;القاعدةraquo;، مكتفياً باستراتيجية الحرب بالوكالة من خلال الحلفاء والوكلاء المحليين وذلك كما حدث في العراق قبل عامين.

بيد أن قرار إنهاء المواجهة لا يملكه أوباما وحده، ذلك أن تنظيم laquo;القاعدةraquo; يظل صاحب المبادرة وله اليد الطولى في توجيه بوصلة هذه المواجهة بحسب أجندته وأهدافه. ومن المتوقع أن يسعى التنظيم، بعد أن اطمأن لدخول أوباما حلبة المواجهة معه، للتحضير لهجمات نوعية ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ولن يهدأ ابن لادن والظواهري حتى يعيدا الجمهوريين إلى البيت الأبيض، ويضمنا إعادة تشغيل تلك الحلقة الجهنمية من التهافت بين أميركا والعالم الإسلامي.