صالح عبدالرحمن المانع
تشهد الحملات الانتخابية العراقية هذه الأيام نشاطا محموما على المحطات الفضائية، وبعضها محسوب على جهات إقليمية معينة، وتحاول بعض هذه الحملات طمس الوجه العربي للعراق، وإبعاد الأحزاب ذات التوجه الإسلامي الصحيح عن الخيارات الديموقراطية المتاحة للناخب العراقي، كما تحاول تشويه صورة بعض دول الجوار العربية، في رغبة يائسة لتعميق الفجوة التي صنعها الغزو الأمريكي، بين العراق وبين توجهه التاريخي العروبي.
وفي الوقت نفسه فإن عملية التفتيت السياسي للكتل تستمر وبوتيرة أقوى من الماضي، ولم يقتصر ذلك على الكتل السياسية العراقية التقليدية في وسط العراق وجنوبه، بل تعدى ذلك إلى شمال العراق.
فلقد كانت منطقة كردستان تخضع لنفوذ حزبين رئيسين هما: الحزب الديموقراطي الكردستاني في العراق، والذي أسسه الملا مصطفى البرازاني سنة 1946م في السليمانية، ويترأسه اليوم ابنه مسعود البرازاني. أما الحزب الآخر، الاتحاد الوطني الكردستاني فيترأسه الرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني.
ولقد أظهرت الانتخابات المحلية في إقليم كردستان العراقية في يوليو من السنة الماضية ظهور حزبين سياسيين جديدين، أحدهما حركة التغيير (قوران) ويترأسها نشروان مصطفى، وهو رجل أعمال كردي كان شريكا رئيسيا في حزب الطالباني، وحصل هذا الحزب الجديد على ربع المقاعد النيابية المحلية، كما حصل تجمع حزبي جديد يمثل جماعات إسلامية ويسارية ويسمي نفسه قائمة الخدمات والإصلاح على حوال (17 في المائة) من تلك المقاعد.
ولا تختلف الأحزاب الكردية العراقية كثيرا عن نظريتها من الأحزاب العربية، فهي تعتمد على أساس قبلي، وإن كانت تشترك في القومية الواحدة، وربما أيضا أثر عليها التوجه الإقليمي أو اللغة، أو اللهجة الدارجة في بعض مناطق كردستان العراقية، مثل الإقليم الذي يحمل مسمى (كوران) وهو إقليم عازل بين المناطق الوسطى العربية من العراق وبين التخوم الجبلية الكردية.
ما يهمنا هنا هو أن عملية التفتيت في العراق لم تعد فقط مقتصرة على قومية أو عرقية أو مذهبية واحدة، بل راحت تنخر في أعماق كل إقليم وكل عرق وتزيد وتواصل تفتيتها، وتحاول جاهدة تقسيم هذه المناطق وإعطاء الصوت ليس على أساس الوطن الواحد بل على أساس محاصصة مناطقية وطائفية..
ما يحتاجه العراق اليوم هو صوت ديموقراطي عربي يعيد للعراق وجهه التاريخي المشرق ويحافظ على هويته الإسلامية، كما يحافظ على هويات أقلياته ويحترمها، حيث إن أعداء العراق يريدون تفتيته والإجهاز عليه، كما أجهزوا على دولته الوطنية التي بناها العراقيون الشرفاء منذ ثورة العشرين حتى حدوث الاحتلال الأمريكي المشين سنة 2003م.
ما نراه اليوم في العراق هو تجاهل كامل للمتطلبات الحقيقية للشعب العراقي، وتجيير لهويته الوطنية، ومسح ومسخ لوجهه العربي والإسلامي، وكل ذلك إذا لم يتداركه أبناء العراق الشرفاء سيقود إلى تمزق العراق وضعف سلطته المركزية، ووقوعه فريسة لأهواء وأوامر سلطات الدول الإقليمية المجاورة.
التعليقات