لمن يصوت الشيعة؟ ..صراع الطائفية والعلمانية على صندوق الانتخابات العراقية

لندن - رانج علاء الدين

مع اقتراب الانتخابات في العراق، تسيطر أسئلة مختلفة على النتائج المحتملة لهذا الحدث؛ هل ستهيمن الطائفية على حساب العلمانية؟ وهل ستتفوق المركزية على حساب الفيدرالية؟ سوف يتوقف الجواب على من ستصوت لصالحه الأغلبية الشيعية في العراق ومن ستسانده الأحزاب التي يهيمن عليها الشيعة في البلاد. وربما يتحول التنوع في العراق، في نهاية المطاف، إلى أكبر رصيد للبلاد ونتيجة لذلك يصبح عائقاً كبيراً أي محاولات لتدعيم سيطرة الطائفية على السلطة.

سوف يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع في انتخابات ينتظرها الجميع بفارغ الصبر وتأتي بعد أشهر من خلافات لا تُحصى. فهناك مشكلات مثل المآزق البرلمانية والهجمات الإرهابية وحظر بعض المرشحين من المشاركة في الانتخابات، وهذه المشكلات تمثل عددًا قليلًا من بين المشكلات الكثيرة التي هددت بتعطيل الانتخابات خلال الأشهر الأخيرة. ولعل السؤال الأهم فيما يتعلق بالانتخابات هو ما الشكل الذي ستتخذه السياسة العراقية بعد الانتخابات: هل ستهيمن الطائفية على حساب العلمانية؟ وهل ستتفوق المركزية على حساب الفيدرالية؟ سوف يتوقف الجواب على من ستصوت لصالحه الأغلبية الشيعية في العراق ومن ستسانده الأحزاب التي تهيمن عليها الشيعة في البلاد.

ويبرز علماء السياسة في كثير من الأحيان أن الانقسامات داخل أغلبية الجماعات الطائفية ضرورية لتحقيق الاستقرار في المجتمعات شديدة التنوع. إذن يحتمل أن تكون الانقسامات بشيرًا بأنباء طيبة.. حيث إنها بدأت تظهر عندما لم يتم إدراج ائتلاف دولة القانون التابع لرئيس الوزراء نوري المالكي ضمن التحالف الشيعي النهائي الموسع، واسمه الائتلاف الوطني العراقي. وحيث إنه كان يأمل في قيادة ائتلاف قومي متعدد الطوائف، لم يستطع المالكي إدراج الشخصيات السنية والكردية التي كان يأمل فيها ضمن تحالفه. ومما عقد الأمور بشكل أكبر، أن الهجمات الإرهابية في البلاد أضرت بسمعة المالكي الأمنية، وبالتالي أضرت بقاعدة حملته الانتخابية الرئيسية (إن لم تكن الوحيدة). ونتيجة لذلك، يقف رئيس الوزراء ضعيفًا أمام القوة السياسية الأكبر ذات الأساس الطائفي، وهى الائتلاف الوطني العراقي.

ويقع الائتلاف الوطني العراقي تحت قيادة المجلس الإسلامي الأعلى في العراق والذي صنعته طهران، ويشمل الكتلة الحرة (الأحرار) بزعامة مقتدى الصدر، والتي تتمتع بتأييد كبير بين فقراء الشيعة في العراق وحقق مرشحوها نتائج باهرة في انتخابات عام 2009 المحلية. وحقق الائتلاف الوطني العراقي، الذي يضم أيضًا رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، مجتمعًا 28.2 % من الأصوات في الانتخابات المحلية لعام 2009. وحقق ائتلاف دولة القانون نسبة 28.6 ٪ من الأصوات. ولذلك، سوف يكون التنافس في الجنوب الشيعي على أشده.

ورغم أن الانقسامات داخل الشيعة تركت انطباعًا بأن أبرز جماعتين شيعيتين سوف تحتاجان لتحالفات متعددة الطوائف بعد الانتخابات، فإن التطورات الأخيرة أشارت إلى ما هو خلاف ذلك. فقد أيد الائتلاف الوطني العراقي وائتلاف دولة القانون ـ على حد سواءـ فرض حظر على مئات من المرشحين الانتخابيين البعثيين المشتبه فيهم، وكان صالح المطلق أهم شخصية بينهم وأكثرهم إثارة للجدل. وربما يؤدي أثر الحظر إلى تراجع للدولة العراقية، حيث قد تؤدي التوترات الطائفية إلى إملاء وجهة التصويت بدلًا من قضايا أخرى مثل الافتقار إلى الخدمات الأساسية وفرص العمل والأمن. وبالإضافة إلى ذلك، بعد أن تضررت السياسة بسبب ما يبدو أنه معركة للشيعة ضد السنة، ربما يكون ذلك، إلى حد كبير، في مصلحة المجلس الإسلامي الأعلى وجماعات الصدريين الطائفية. وربما دفع ذلك المالكي وحزبه quot;حزب الدعوةquot; في نهاية المطاف إلى الابتعاد عن موقفهم العلماني الذي أثبت فاعليته في الانتخابات المحلية التي أُجريت في يناير/كانون ثانٍ من العام الماضي.

بعد أن أوضحنا ذلك، فإن حقيقة الأمور في السياسة العراقية دائمًا ما تكون بخلاف ما هو ظاهر. ولا ينبغي استبعاد أهمية التحالفات الأخرى التي تشمل عددًا كبيرًا من الشيعة التي تمثل في الأساس شخصيات علمانية. ورغم حظر ترشيح المطلق وانسحاب حزبه quot;جبهة الحوار الوطنيquot; من الانتخابات،فإن هناك عددًا من الأطراف الجادة التي ربما تفجر بعض المفاجآت. وربما ينتهي الأمر بالمطلق ليصبح شهيدًا سياسيًا، وعندئذٍ ربما يترجم ذلك إلى أصوات لحزب الحركة الوطنية العراقية التابع لإياد علاوي، والذي كان المطلق سيرشح نفسه تابعًا له. ومن المتوقع أن يجتذب إياد علاوي أيضًا أصوات الشيعة العلمانيين. وبمنظور أوسع نطاقًا، ربما يتحول الحظر على المطلق إلى ميزة بالنسبة للجماعات الأخرى مثل تحالف وحدة العراق، والذي يقوده وزير الداخلية الشيعي جواد بولاني والشخصية السنية المعروفة أحمد أبو ريشة، زعيم قوة quot;صحوة الأنبارquot;.

وسوف يكون بناء التحالف عاملًا مهمًا بعد الانتخابات بقدر ما كان عليه من قبل. ونأخذ على سبيل المثال قرار المالكي بالانتقاد الشديد للقرار المدعوم من الولايات المتحدة بتأجيل حظر الانتخابات على بعض المرشحين، رغم أنه رفض في بادئ الأمر التورط في هذه المسألة. وربما اتخذ رئيس الوزراء هذه الخطوة تحسبًا لاحتمال فوز الائتلاف الوطني العراقي، ولكنه كان، في الوقت نفسه، وسط التطورات الإيجابية التي حدثت أخيرًا في علاقات كردستان ببغداد التي عادة ما تكون سيئة (على سبيل المثال القرار باستئناف صادرات النفط الكردية وإشارات المالكي الإيجابية أخيرًا تجاه الفيدرالية). وربما يكون المالكي يمهد لتشكيل ائتلاف محتمل مع الأكراد، الذين يقفون متحدين في بغداد وسوف يتطلع إليهم السياسيون كشركاء في التحالف. وربما ينتهي بهم المطاف ليصبحوا عاملًا محوريًا ليفوز المالكي بفترة جديدة كرئيس للوزراء.

وعلاوة على ذلك، تكون الائتلاف الوطني العراقي في الأساس نتيجة لتلاقي المصلحة، وتم بين أشخاص متباعدين أدركوا عدم قدرتهم كأفراد على تمثيل أي تحدٍ خطير لائتلاف دولة القانون التابع للمالكي. ويعتبر أمرًا حاسمًا في تحقيق هذا الهدف أن المجلس الإسلامي الأعلى الفيدرالي التابع لعمار الحكيم والصدريين من فئة الوسط يجمعهما تاريخ من المنافسة والمواجهة العنيفة. وظهرت التوترات في الأسابيع الأخيرة عندما دخل التياران في حرب كلامية حول المقاومة المسلحة ضد الوجود الأمريكي في العراق. وسوف يتحتم على إيران أن تؤثر على تقاربهما بشكل كبير. ومع ذلك، في بيئة ما بعد الانتخابات، يكاد نجزم بأن الائتلاف الوطني العراقي سوف ينحل، في الوقت الذي تحدث فيه عملية بناء التحالفات في مرحلة ما بعد الانتخابات ويستقر الإطار السياسي في الدولة. كما يضم الائتلاف الوطني العراقي العديد من الشخصيات الطموحة القوية التي تنافس على منصب رئيس الوزراء، وربما يصبح هذا عاملًا للفرقة أكثر بعد الانتخابات. وربما يتحول التنوع في العراق في نهاية المطاف إلى أكبر رصيد للبلاد ونتيجة لذلك يصبح أكبر عائق أمام أي محاولات لتدعيم أي قبضة طائفية على السلطة. إلا أن الكثير سوف يتوقف على العراقيين أنفسهم، وعلى أصواتهم.