عمر عدس

عملية الفجر الجديد، هو الاسم الذي سيعطيه الجيش الأمريكي لعملياته في العراق عندما تنتهي العمليات العسكرية الأمريكية في ذلك البلد في سبتمبر/ أيلول القادم، ولكنه فجر جديد للاحتلال، الذي يأخذ طابعاً ldquo;خيرياًrdquo; هذه المرة، لأن الولايات المتحدة تخشى على الشعب العراقي فيما يبدو من تبعات الانسحاب . كأن الاحتلال لم يجئ بكل الويلات التي يعاني منها الشعب العراقي منذ سبع سنوات .

في مجلة ldquo;فورين بوليسي إن فوكَسrdquo;، (25/2/2010)، كتبت فْريدا بيريغان: ورد اسم عملية الفجر، أول مرة في مذكرة من وزير الدفاع، روبرت غيتس الى رئيس القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال ديفيس بترايوس في الأسبوع الماضي . ويقول غيتس في المذكرة، إن تغيير الاسم ldquo;سيبعث بإشارة قويةrdquo; ويوفر ldquo;فرصاً لمزامنة مبادرات الاتصال الاستراتيجية، وتعزيز التزامنا باحترام الاتفاقية الأمنية، والاعتراف بعلاقتنا المتطورة باستمرار مع حكومة العراقrdquo; .

تتساءل الكاتبة: ولكنْ، لماذا في فبراير/ شباط، حتى قبل أن يبدأ هذا التحول بشهور؟

وتقول: إن هذا الإعلان ينطوي على نواقص واضحة . فهو أولاً، يذكر الشعب الأمريكي بأن ثمة حرباً في العراق، وصراعاً مكلفاً، دامياً، وطويلاً، تعهد الرئيس في حملته الانتخابية بوضع حدّ له . وما مِن شخص يريد أن يذكره أحد بهذا الصراع، خصوصاً وأن هنالك صراعاً آخر، مكلفاً، ودموياً وطويلاً في أفغانستان، يهيمن على الصفحات الأولى في الصحف .

كما أن عملية الفجر الجديد تعرّض الإدارة لتجدد السخرية من محاولاتها الخرقاء إعادة تسمية الأمور . ولا يملك المرء إلاّ أن يتذكر جهود ادارة اوباما لاستبدال التعبير الطنان ldquo;الحرب العالمية على الإرهابrdquo; بالاسم الفاتر ldquo;عمليات الطوارئ فيما وراء البحارrdquo; .

وتقول الكاتبة، إن تغيير الاسم يجيء الآن، رغم هذه النواقص، لأن العراق يستعد للانتخابات في الأسبوع الأول من مارس/ آذار، وأن تلك الاستعدادات لا تسير على ما يُرام . فالجماعات السنية قد لا تشارك فيها، والعنف آخذ بالتصاعد بحدة من جديد، كما يُتوقع أن تكون المشاركة خفيفة .

وعلى خلفية بزوغ هذا الفجر الذي لا يبدو زاهياً، يبدو أن الجيش الأمريكي يحاول تذكير الجميع بأنه في سبيله الى الخروج .

وفي الوقت الذي يهيئ فيه البنتاغون خطتها للخروج- أو على الأقل تطلق الحديث البلاغي عن خطتها للخروج- يتصاعد الضغط من أجل بقاء الجيش . ففي مقالة حديثة في صحيفة نيويورك تايمز، كتب الصحافي الذي اعتاد انتقاد سياسات حرب العراق، توماس ريكس، أن البقاء قد يكون الشكل الجديد للرحيل . يقول: ldquo;أعتقد أن الزعماء في كلا البلدين قد يدركون أن أفضل طريقة لمنع العودة الى الحرب الأهلية، هي العثور على طريقة لإبقاء 30 ألف الى 50 الف جندي أمريكي في العراق لسنوات طويلة قادمةrdquo; .

كما شبه كينيث بولاك، من معهد بروكنغز القوات العسكرية الأمريكية في العراق بالجبيرة على ذراع مكسورة قائلاً، ldquo;لا نستطيع أن نعرف يقيناً متى تجبُر عظام العراق، وعلينا أن نتوخّى جانب الحذر الشديد، في كيفية وتوقيت إزالة الجبيرةrdquo; .

وتقول الكاتبة، إن هذه حجة مقنعة، في حالة واحدة فقط، هي أن ننسى أن الجبيرة هي التي كسرت الذراع أصلاً .

لا يستقيم الفجر والاحتلال، إذاً، وهذا ما عبّر عنه، المحلل السياسي العراقي المولد، رائد جرار، في مقالة منشورة في موقع ldquo;كومون دريمزrdquo;، على شبكة الانترنت، (25/2/2010) . . يقول فيها: طلب القائد الأعلى للقوات الأمريكية في العراق، الجنرال راي اوديرنو، يوم الاثنين، 22/،2 من المسؤولين في واشنطن الموافقة على خطط الطوارئ لتأخير انسحاب القوات الحربية الأمريكية من العراق . وفي اليوم التالي، نشرت صحيفة نيويورك تايمز، مقالة تطلب من الرئيس اوباما تأخير الانسحاب الأمريكي، وإبقاء عشرات الألوف من القوات في العراق إلى أجل غير مسمى . ويدعي طلب البنتاغون ومقالة نيويورك تايمز، كلاهما، أن إطالة أمد الاحتلال في مصلحة العراق . وحسبما تدعي هذه المحاولات الحديثة لإطالة أمد الاحتلال، فإن الولايات المتحدة إذا تركت العراقيين وشأنهم، فإن السماء سوف تسقط على الأرض، وإن حرباً أهلية إبادية ستندلع، وإن ايران ستستولي على البلد وتمزقه شرّ ممزّق .

ويقول الكاتب، إن الحجج للتدخل العسكري في العراق ظلت تتغير وتتبدل منذ 1990 . وسواء كانت تحريرَ الكويت، أو حماية المنطقة من العراق، أو حماية العالم من أسلحة الدمار الشامل العراقية، أو معاقبة العراق لدوره في هجمات 11/،9 أو العثور على صدام حسين ونجليه، أو محاربة البعثيين والقاعدة، أو عشرات الحكايات الأخرى، لم تعدم الولايات المتحدة الأسباب لتبرير استمرار التدخل في العراق . ففي عهد الرئيس بوش، تم الربط بين خطة الانسحاب، وبين الظروف على الأرض، ولم يكن ثمة مواعيد نهائية محددة . وجاء اوباما بعقيدة مختلفة تماماً، تجعل- لحسن الحظ- إدامة الاحتلال أصعب من مجرد اختلاق عذر واهٍ جديد . فقد وعد في حملته الانتخابية بسحب جميع القوات الحربية بحلول 31 اغسطس/ آب من هذا العام، وخفض العدد الكلي للقوات الأمريكية الى أقل من 50 ألفاً . كما أعلن مراراً أنه سوف يلتزم بالاتفاقية الثنائية الملزمة بين الحكومتين، التي تقتضي مغادرة جميع القوات الأمريكية بنهاية 2011 من دون أن تخلّف وراءها أي قواعد عسكرية .

ويقول الكاتب إن كِلا هذين الوعديْن مرتبط بالزمن، لا بالظروف على الأرض . وبالإضافة الى ذلك، أعلن الرئيس اوباما في الاسبوع الماضي نيته الدعوة الى إنهاء عملية حرية العراق في 31 اغسطس/ آب، والبدء بالمهمة غير القتالية في الأول من سبتمبر/ أيلول . ومن المفترض أن تنتهي المهمة الجديدة، التي أطلِق عليها اسم ldquo;عملية الفجر الجديدrdquo;، في 31 ديسمبر/ كانون الأول ،2011 مع خروج آخر جندي ومتعاقد أمريكي من العراق .

والظروف على الأرض في العراق فظيعة . فبعد سبع سنين في ظل الاحتلال الأمريكي، ما يزال العراقيون من دون ماء، أو كهرباء، أو تعليم أو رعاية صحية . كما يظل التدخل والسيطرة من جانب ايران، في مستوى غير مسبوق . ولا تزال القوات المسلحة العراقية مخترقة من قبل الميليشيات وتخضع لسيطرة الأحزاب السياسية . ولكن ادارة اوباما لم تحاول حتى الآن استخدام أي من هذه الحقائق سبباً لتغيير خطة سحب القوات الحربية، أو الطلب من الحكومة العراقية إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية الأمنية الثنائية . والدعوات في هذا الاسبوع لإطالة أمد الاحتلال مثيرة للدهشة لأنها تنمّ عن نزاع بين البنتاغون من جهة، وبين البيت الأبيض والكونغرس من جهة أخرى . وفي حقيقة الأمر، فإنّ الفرعين التنفيذي والتشريعي في كل من الولايات المتحدة والعراق متفقان بشأن تطبيق الانسحاب الزمني، ولكن البنتاغون لا تتفق معها كلها .

ويقول الكاتب، إنه ينبغي على اوباما ألا ينسى أنه القائد الأعلى، وأن عليه أن يقف في وجه البنتاغون . والعراق محطم، ولكن الاحتلال العسكري الأمريكي ليس جزءاً من الحل . فنحن لا نستطيع أن نصلح ما أفسده الاحتلال العسكري بإطالته، ولا نستطيع مساعدة العراقيين على بناء نظام محلي باحتلالهم . ولا نستطيع ان نحمي العراقيين من التدخلات الأخرى بالاستمرار في تدخلنا نحن . والخطوة الأولى في مساعدة العراقيين في العمل على مستقبل أفضل هي الالتزام بخطة الانسحاب الزمنية، التي وعد بها اوباما والتي اتفقت عليها الحكومتان . وينبغي على الرئيس اوباما ارسال رسالة واضحة الى الشعب العراقي تؤكد أنه سوف يفي بوعوده، ويلتزم بالاتفاقية الأمنية الملزمة مع العراق، ويجب أن تكون رسالته واضحة كذلك للشعب الأمريكي في هذه السنة الانتخابية الحاسمة .