فارس السقاف

بلغ طوق الأزمات الذي أطبق على اليمن مؤخراً حدّ الإيحاء القوي باشتداد الاختناق المُنذر بالانهيار الشامل. وانتظر الكافة تحت ضغط تأثير هذه الإيحاءات المتلاحقة إعلان الوفاة بين لحظة واخرى.
هل وصل الأمر إلى شفا جرف لا رادّ له.. كما يسّود مداد الأقلام في صحفنا اليمنية؟
قال لنا الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان في أحد اللقاءين اللذين جمعاني به في زيارته لليمن: لقد كنت وأنا انزل من مطار صنعاء، أتوقع أن يقابلني أسامة بن لادن.. هكذا من هول ما يتردد عن تحكم القاعدة في اليمن بشكل مبالغ فيه.
ومثل هذا القول، الذي يكشف في وجه عام فروق المشهد اليمني المغاير، قبل الزيارة وبعدها، أسرّه لي في الحقيقة كثير ممن قابلتهم من مراسلي وسائل الإعلام العالمي، الذين تقاطروا على اليمن عقب المحاولة الفاشلة للشاب النيجيري حسب المصادر التي اعلنت عنها، وهو عدد بلغ العشرات إن لم يتجاوز المائة تحديداً، وهو ما لم تحظ به الساحة اليمنية قبلاً.
جميع هذه التغطيات الإعلامية تتناول طوق الأزمات اليمنية وتدور مخارجها ومفاتيحها في إطار شخصية الرئيس علي عبدالله صالح المحورية المبثوثة في عمق وثنايا اليمن، والتي طبعت تاريخ اليمن المعاصر بتحولاته المهمة.
هذه الشخصانية يحاول كثير من القراءات، بقصد غير بريء، أو بسطحية انطباعية بشخصنتها، أي ربطها بشخص الرئيس ابتداء وانتهاء.. سبباً ونتيجة.
قبل ان نمضي في مناقشة هذه القراءة لننتقل إلى مداورة ما هو مختلف عليه، وهو ما سيفضي إلى إعادة القراءة وصولاً إلى فهم فيه على اقل تقدير مقاربة للحقيقة.. هي:
bull; ان المشهد اليمني يعاني من أزمات حقيقية، بحيث
لا يمكن تجاهلها. فإذا قيل مثلاً إن حركات ودعوات انفصالية تسعى لنقض عُرى الوحدة، نسارع لإلغاء هذه المعضلة وإنكارها قولاً برسوخ الوحدة، وانهم لن يستطيعوا حراكاً في سبيل فصمها. وفي المقابل، فإن محاولات تصوير واقع الانفصال بأنه يمتلك مقوماته الفارضة له، أو أن زعاماته تمتلك مؤهلات وشرعية هذه المشاريع، هو انه لا يمت الى الحقيقة الكاملة بصلة.
وفي دائرة اخرى هي دائرة خطر القاعدة.. فهذه التحليلات الذاهبة إلى تصوير أن القاعدة متحكمة باليمن، وتصدر عن اعلى المستويات، وكأنما البلاد في قبضة القاعدة، وان ذلك يشكل مبررا لتداعي القوى العالمية إلى قصعة اليمن، هو شأن ينحو الى التضخيم. وبالمثل لا يمكن تصديق أن قاعدة اليمن لا قيمة لها أو وزنا، وانه لم يعد هذا التماهي معها قائما في مجتمعنا. هذه محددات لفهم الظواهر المائلة في اليمن، وعبرها يمكن استيعاب المشكلات قبولاً، او رفضاً بعد عرضها عليها.. وبهذا يمكن فهم القراءات المفتعلة الداعية للتشويش والالتباس.. وبعد ذلك يمكن تحليل دور الرئيس في محورية الأحداث.
bull; إن شخصية الرئيس علي عبدالله صالح لا ينبغي تناولها بهذا القدر من التسطيح، وبالتالي عدم تقديرها حق قدرها من طرف كتابات كثيرة، خارجة عن إطار اللياقة، وأدب الاختلاف والبعد عن الإنصاف، وتتولاها أقلام تسيطر عليها فكرة الشخصانية.
على الجانب الآخر، فإن التقديس ايضا غير مطلوب، وإنما التقدير.. ولهذا فإن النقد للرئيس مشروع.. النقد المتجنب للتجريح.. النقد المرتبط بالسياسات والبرامج، وفي سياقها الزمني والموضوعي، حتى تراجع ضمن الإمكانيات والظروف والمعوقات والتحديات.
كما أن احتمال الخطأ البشري، ولاسيما غير المتعمد والممنهج هنا، ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار.
من بعد هذا الاستيعاب لمنهج النقد ستنحصر جوانب الاختلاف وتتحدد، وهي بالتالي ميدان التنافس وتباري البدائل والتقويمات لها سلباً او إيجاباً.
bull; مع نقيع الغبار الذي أثارته هذي الرياح الموجهة صوب قيادة اليمن في الفترة الراهنة، ربما استطاعت ان تحجب عن الرئيس علي عبدالله صالح خصالاً حميدة وجوانب عظيمة، وكارزما زعامة لطالما نهج بها هؤلاء وعدّوها في خانة حساباته الإيجابية.
هذه الشخصية يتم اختبارها اليوم في مواجهة التحديات الكبرى، بل والمصيرية، وبعدما اثبت قبلاً قدرة على تحقيق زعامة تاريخية بإنجاز الوحدة اليمنية والديمقراطية والاستقرار والتنمية، فهل ينجح الآن في قيادة الحاضر صوب المستقبل الضامن لوحدته واستقراره وتطوره..؟
لايزال ينظر الى الرئيس باعتباره الأقدر والأجدر.. وهذا هو التحدي الحقيقي، الذي سنشهد مدى نجاحه في القريب.. من خلال الفرصة الأخيرة المتاحة.