محمد بن سعود الملفي

تفوقت العقلية العربية، وابتكرت ديمقراطيتها الجديدة التي استحسنت تسميتها ديمقراطية quot;التوافقquot;، وهذا يعود لعدم قدرة العرب على تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية.
منذ أن استطعت معرفة ما يحيط بنا، ونحن نرى العراق يعبث به، ويخوض تحت رايات حزب quot;البعثquot; حروباً لا مصلحة للعراق فيها، إلا أنه قدره المحتوم... وإلى عام 2003 حين احتُلَّ من قبل الجيش الأميركي واتخذ بحقه أبشع وأشنع قرار في التاريخ وقد أصدره حاكمه آنذاك بريمر بحل الجيش العراقي الذي كان يملك اليد الطولى في حفظ أمن البلاد، لتغرق بعدها في فوضى السياسة والقتل على الهوية.

استطاع من يملك القدرة حينها واستعد لهذه المرحلة أن يحتل شوارع العراق، ومقاهيه، وجامعاته، وكافة مؤسساته الرسمية والمدنية الفاعلة، ليبقي المحتل الغربي صاحب الجيش والعتاد لا يستطيع السيطرة سوى على سطوح المباني فقط، فالأرض تحته تحتلها الميليشيات بسياسة الأمر الواقع، وهذه من المفارقات الداعية للدهشة من غرابتها فربما تؤكد شكوك طالما وردت في أذهان الكثيرين، بأن هناك تواطؤاً من قبل الجيش الجبار مع المحتل.

ويشهد العراق الآن نوعاً من الاستقرار النسبي الحذر، الذي سبق ورافق العملية الانتخابية الأخيرة يوم الأحد الماضي، ولو أن هناك تفجيرات متفرقة في بغداد ومحافظة نينوى شمالا، إلا أن quot;لوquot; من عمل الشيطان، والأخير يكمن في التفاصيل لذلك أرى بتجاوزها في هذه المرحلة على الأقل.

جرت الانتخابات النيابية التي ننتظر أن تفصح نتائجها عن تأكيد العراق على عروبته، وعدم تخليه عنها بعد إعلانها.

إلا أن ما يدعو للحيرة هو التحذيرات المتواترة التي رافقت عملية التصويت وسبقته بعدة أيام، حول رغبة بعض أطراف العملية السياسية لتزوير نتائج الانتخابات لصالح هذه الأطراف لتوطيد بقائها في الحكم، ما يفسر بعدم ثقتهم في النجاح لعدم تمكنهم من تحقيق الحد الأدنى من مطالب العراقيين.

هذا الأمر إن صح يدعو للقلق والترقب الحذر من إمكانية حدوثه، وذلك لأنه يعيد العراقيين إلى مرحلة سال من دمائهم الكثير لتغييرها، وآخرها ما كان يتم تحت مسمى quot;اجتثاث البعثquot;، وما رافقه من عبث أصبغ أيام العراقيين بالدماء، فلا يوجد يوم لدى أهل العراق إلا ولهم فيه ذكرى مع الدم والعبث بالأرواح.

زُجَّ بالعراقيين في السجون وجُرموا دون ذنب اقترفوه، وحُرمَ مَن حُرِمَ منهم من ممارسة حقوقه السياسية تحت مسمى الاجتثاث المزعوم. الأمر الآخر حول إمكانية حدوث تزوير لنتائج الانتخابات وهذا ما أتوقعه وأتمنى أن لا يكون توقعي صادقاً. حين تحدث عملية تزوير للانتخابات في ظل وجود مراقبين دوليين، فهذا يعني أن العملية الانتخابية باطلة طبقا للقاعدة المعروفة التي تقول ما بني على باطل فهو باطل، بالرغم من ارتباط العملية السياسية بذلك الباطل لحدوثها تحت وطأت الاحتلال. إلا أن ما يتم إنتاجه، وإن كان تحت سقف المأمول بمسافة كبيرة، لكنه يبقى إفرازاً مجتمعياً يستحق التشجيع.

حين أزيلت النازية في ألمانيا بعد سقوطها في الحرب العالمية الثانية عام 1945، لم يتعرض أعضاء الحزب النازي لما يتعرض له البعثيون في العراق الآن، وهذا ليس دفاعا عن quot;البعثquot; وعفلقه، لكن quot;البعثquot; فرض على العراقيين في مرحلة من مراحل دولتهم، فلا قبول في الوظيفة إن لم يكن المتقدم لها عضواً في الحزب، ولا قبول للطالب في الجامعة إن لم يكن قد سُجِّلَ عضواً في الحزب، لذا صار الانتماء له فرضاً على الشعب العراقي، ولم يسلم منه إلا من غادر العراق حينها هارباً من جحيم الحكم البعثي، فهل يكافأ هذا المواطن العراقي بعد هروبه من quot;البعثquot; بالعبث؟

لن يعترف المجتمع الدولي بنتائج مزورة للانتخابات، وهذا يعني أن العراقيين أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن يعاد تقييم العملية السياسية برمتها، أي المخاض العسير الذي عاشه العراقيون خلال السنوات الماضية الأخيرة، أو أن يمضي المزورون في تزويرهم، تكراراً للسيناريوهات المألوفة في كثير من دول العالم الثالث، وفي هذا ما يدعو للقلق حقاً!

ننتظر في هذه الانتخابات التي يعتبرها كثيرون مفصلية في تاريخ العراق، أن نرى وقفة عراقية ضد كل عابث كي يحققوا لبلدهم الأمن بدلا من quot;العبثquot; الرابض هناك منذ عام 2003، وكي يعود العراق عراقا عربياً.

أعقبت إقفال صناديق الاقتراع بعد نهاية عملية التصويت في كافة محافظات العراق مساء الأحد، إشاعات تعكس تفاؤل العراقيين بعراق عربي، ليعود ركنا ثابتا من أركان المعادلة العربية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، رغم الشحن الطائفي المرافق للحملات الانتخابية، وما تلاه من قذائف أُطلقت على عدد من مراكز التصويت رغم انتشار أكثر من 200 ألف رجل أمن في كافة أنحاء العراق إلا أن العراقيين لم يلقوا بالاً لعمليات الترهيب، وأظهروا تفاؤلهم بوطن واحد مستقل، يملك السيادة على كافة أراضيه.

كتب عن العراق الكثير من الكتب تتناول أوضاعه تحت حكم quot;البعثquot;، لكن إلى الآن لم يُكتبْ عنه وهو تحت حكم العبث بين احتلالين. فهل تصمد عروبة العراق أمام التحديات الكبيرة؟ هذا ما نرجو أن يتحقق قريباً!