محمد بن سليمان الأحيدب


الطباع والصفات والفراسة والذكاء خصائص (كروموزوماتية) وراثية، يمكن أن يرثها الابن أو الابنة من الأب أو الأم أو أحد الأجداد.
هذه حقيقة معروفة ومثبتة بالتجربة والدراسات، كما أنها لا تحدث دائما وغير مضمونة وتحكمها عوامل وراثية معقدة، فقد يولد أغبى ولد لأذكى أب والعكس صحيح.
الشيء المؤكد أيضا أن العلم ليس من ضمن الصفات الوراثية التي تورث، فما يتراكم بالعلم والدراسة والتجربة والخبرة لا يورث إلا بالمرور بنفس مراحل التعلم والدراسة وتراكم التجربة والخبرة، إضافة إلى شرط هام جدا وهو توافر نفس قدرات الذكاء والاستيعاب.
عالم الذرة لا يمكن لأي من أبنائه الادعاء أنه يفقه في علم الذرة ويفتي فيه، وكذا عالم الطب والصيدلة والقانون والشريعة والفيزياء، وغيرها كثير من العلوم التي لا يمكن أن تكتسب بالوراثة أو بمقولة laquo;كان أبيraquo;.
ولكسر جمود وجدية هذا الموضوع دعوني أعرج على قصة طريفة تثبت أنه حتى أدعياء الطب الشعبي الذين يعتمدون على الفراسة، وهي صفة يمكن أن تورث، لا يورثون بالضرورة أبناء قادرين على الإقناع، فهذا طبيب شعبي عندما حضره الموت قال لولده: لقد كنت أكسب ثقة الناس بقوة الملاحظة، فإذا دخلت على المريض ولمحت بقايا طعام في الأرض مثل حبة من بطيخ مثلا قلت لقد أكل بطيخا وإن كانت بذرة عنب قلت أكل عنبا وهكذا يتعجبون ويثقون بقدراتي، فافعل ما فعلت، ولأن الابن ورث المعلومة وافتقد للذكاء دخل على مريض شيخ كبير، وأبناؤه يحيطون به، فلمح عودا من laquo;تـبنraquo;، ربما دخل مع حذاء أحدهم، فقال laquo;والدكم ماكل تبنraquo;، فما كان منهم إلا أن هجموا عليه ليفر هاربا ولو أمسكوا به (لأكلوه تبن)، أكرمكم الله.
أما الجد فهو ما قاله لهذه الجريدة في laquo;حوار الأسبوعraquo; الدكتور إبراهيم أبو عباة، في حوار مطول على صفحتين وبعناوين ملفتة وسيرة ذاتية وصور تشهد للمتحدث بعمر مديد في مجال الدعوة والإرشاد والتوجيه قرابة ربع قرن، ومع ذلك مر أسبوعان على الحوار الذي يقطر حكمة (نشر في 12ربيع الأول 1431هـ)، دون أن نجد أن هواة ترديد أقوال صغار طلاب العلم قد أشاروا إليه أو علقوا على ما جاء فيه من درر.
ومما قال الدكتور أبو عباة، أمد الله في عمره ونفع بحكمته وعلمه، وعرضته laquo;عكاظraquo; بالخط العريض: laquo;فتاوى أبناء العلماء افتتان وانهزامraquo;، laquo;الساحة موبوءة وتقسيم المجتمع إلى ليبرالي وصحوي نسف للوحدة الوطنيةraquo;، وفي النص قال laquo;عندما يكون الاجتهاد من أبناء وأحفاد الكبار وهم أشخاص مغمورون لا يعرفون ولم يروا بالعين المجردة فيفتون بخلاف ما عليه السائد وما قاله الكبار انطلاقا من توجه فكري معين في البلد، بحثا عن قفزة غير طبيعية وطمعا في الشهرة، فهذا حراك غير مطلوب البتةraquo;.