أمجد عرار

بشرى سارّة لعشّاق التسوية السياسية، فالمبعوث الأمريكي جورج ميتشل قادم غداً إلى المنطقة بعد أن تكون آلية الدفع ldquo;الرباعيةrdquo; قد جرّبت نفسها مرّة أخرى في رمال التسوية، وبعد أن تعيد اكتشاف عجزها، رغم هيبة عاصمة ثورة أكتوبر الروسية التي تحتضن اليوم اختبار الدفع الرباعي . سيقف ميتشل أمام الميكروفون في القدس المحتلة ويقول كلاماً كثيراً عن الرباط الذي لا انفصام لعراه بين بلاده وrdquo;إسرائيلrdquo;، وسيكرّر اسطوانة الالتزام الأمريكي المطلق بأمن الاحتلال وكل ما يترتب عليه من ضم المقدسات الإسلامية والمسيحية لقائمة مستحدثة لتراث ldquo;إسرائيليrdquo; لا جذور له، إلى تدشين كنيس يهودي في خاصرة الأقصى، مروراً باستخدام الكلاب في ملاحقة أطفال القدس . والتعامل مع المسيرات السلمية كأنها ldquo;عمل إرهابيrdquo; .

سيقف ميتشل في رام الله ليتحدث عن التزام واشنطن بعملية السلام وبإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة . سيسأله صحافي جريء إن كان يتحدّث عن دولة أم معازل وكانتونات، وعن موقفه من الاستيطان المجنون والاعتداءات اليومية، وسيجيب المبعوث الأمريكي القديم الجديد بأنه يناشد ldquo;جميع الأطراف ldquo;ضبط النفسrdquo; وعدم القيام بما من شأنه توتير الأجواء وإعاقة جهود إحياء عملية ldquo;السلامrdquo; .

هي اللغة ذاتها التي سمعناها من المبعوثين السابقين، وميتشل واحد منهم، من عهد فيليب حبيب وريتشارد ميرفي وتوني زيني وجورج تينت، أضف إليها زيارات الرؤساء ووزراء الخارجية وأحياناً وزراء الدفاع . كلما جاء مبعوث جديد ليدغدغ لذّة التفاوض والطاولات والفنادق والميكروفونات لدى البعض، يحمل معه وتداً جديداً لتمكين خيمة الاحتلال من البقاء أطول .

نتذكّر عندما كانت أجواء مؤتمر مدريد، مطلع التسعينات، تعج ب ldquo;الأملrdquo;، كان الوفد الفلسطيني العائد من هناك يطوف المدائن والقرى لترويج ldquo;الحلrdquo;، وكان وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر يلتقي ذلك الوفد في زياراته المكوكية، فيخرج الناطق باسم الوفد أو أي من أعضائه ليستخدم اللغة الدبلوماسية إياها: جلسة محادثات مثمرة وبناءة، تناولنا فيها جميع جوانب عملية السلام العادل والشامل في المنطقة وصولاً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف . وفي مؤتمر صحافي بعد جلسة عاشرة، نذكر أن متحدثاً في الوفد الفلسطيني المفاوض قال: إننا ما زلنا ندور في المكان نفسه الذي انطلقنا منه . وعندما أظهر له أحد الحضور نسخة من جريدة قديمة يؤكد فيها، المتحدّث نفسه، أن المحادثات مثمرة وبناءة، استشاط غضباً، وبعدها لم يسمح حاملو الميكروفون لذلك المواطن المتابع، من توجيه أي سؤال .

نحن مبتلون بأناس ينتهجون طريقاً فاشلاً ويصرّون عليه، ويحاولون إيهامنا أن قضايا الأمم لا تحل إلا عبر خيارين، إما المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، في ظل موازين قوى تجعلها بين ذئب وحمل .

نعرف أن كل أطراف معادلة التسوية متفقون على أنهم لن يقدموا أي حل لقضية القضايا التاريخية والدولية، وأنهم يستمدون وقود الدوران اللانهائي من اعتقادهم أن الشعوب تنسى وتبدأ حياتها كل يوم من جديد، لكننا نعرف أيضاً أن أية كذبة لا بد لها من نهاية .