أميمة أحمد الجلاهمة


لا أعتقد أن هناك أحدا في عالمنا الثالث يستطيع إعلان معارضته لحكومة بلاده وهو آمن على نفسه وأهل بيته، وبطبيعة الحال لا أعتقد أن إرهابيا امتهن القتل وترويع الناس يفعل ذلك، كما لا أعتقد أن أسر هؤلاء ستكون مطمئنة على أرواح أفرادها وأموالهم وكرامتهم، هذا ما يمكن لنا تعميمه على معظم دول العالم الثالث وبعض دول العالم المتقدمة.
إلا أنني أجزم جزما حاسما أن ذلك التعميم لا ينطبق جملة أو تفصيلا على المملكة العربية السعودية، أقول ذلك والحقائق تدعم قولي، فذاك المعارض قد لا يجد الترحيب من السلطات التي لا يعترف بها أصلا، وذاك الذي مارس الإرهاب قد يجد نفسه خلف القضبان منتظرا حكم القضاء، إلا إني أتحدى أن ينال أقرباء هذا أو ذاك أي أذى معنوي أو مادي في المملكة العربية السعودية، بل الغريب الذي يبدو لي كقصص الأساطير هو الرعاية التي تصل إليهم من حكومة المملكة العربية السعودية بل ومن أعلى الهرم فيها.
فمن المعروف أن بعض الدول كانت وما زالت تنكل بأقرباء المعارض أشد التنكيل وتروع أفراد أسرته، وتحكم عليهم الخناق، وقد تدوس على كرامتهم، بل إن بعض الدول أضافت الكثير من العنت والضيق على أقرباء لا علم لهم أصلا بمنهاج أبنائهم الإرهابيين، بل قد يكونون رافضين لأفعالهم كارهين لها، هذه السياسة مع المعارضين والمجرمين تطبق في كثير من الدول.. إلا بلادي، ولله الحمد ، فهي تستمد منهاجها من كتاب الله وسنة نبييه صلى الله عليه وسلم ، منهاجا يقرر صراحة( ولا تزر وازرة وزر أخرى).
هذا ما تبادر لذهني وأنأ أتابع موقف المملكة العربية السعودية من (إيمان بنت أسامة بن لادن) والذي لم يتابع قصة إيمان أقول باختصار، إنها وأفراد من أسرتها دخلوا عام 2001م ، بطريقة غير نظامية للحدود الإيرانية عبر أفغانستان، وبقيت الأسرة فيها منذ ذلك العام، أي حوالي تسع سنوات، وكانت طيلة هذه الفترة خاضعة لحراسة مشددة، حراسة قد تكون مبررة فقد كان في تلك الفترة قناصة عالميون يستهدفون أسامة بن لادن وأفراد أسرته، أو قد تكون الحكومة الإيرانية فعلت ذلك حماية لأرضها وأمنها.
المهم القصة التي دفعتني لكتابة هذا المقال تكمن في موقف المملكة العربية السعودية من أسرة مواطن أعلن عداءه لبلاده وخانها وعمد لدمارها ودمار سمعتها، وتسبب في وصمها بالإرهاب وهي أول المستهدفين من إرهابه، هذا الرجل الذي ما انفك يؤذي البلد الذي أكرمه، وعلى الرغم مما اقترفت يداه الآثمتان ما زلنا نود ونقدر أسرته التي رفضت منهاجه وفكره، واختارت البقاء في بلادها مكرمة معززة.
أما موقف المملكة الأخير من إيمان بنت أسامة بن لادن فيدعوني للفخر والاعتزاز بحكومة بلادي ورجالها، فقد تناقلت وسائل الإعلام أخبار إيمان التي أقامت حوالي أربعة أشهر في السفارة السعودية في طهران، بعد أن لجأت إليها إثر فرارها من مقر إقامتها الجبرية حيث كانت تحتجز فيه مع أفراد آخرين من أسرتها، كما ذكرت وسائل الإعلام أن (وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أكد.. أن السلطات السعودية تتفاوض مع إيران لنقل إيمان بن لادن من مقر السفارة السعودية في طهران، وقال quot;نعتبر هذه المسألة إنسانية الطابع ونحن نتفاوض مع الحكومة الإيرانية على هذا الأساسquot;، وأخيرا حصلت إيمان ابنة أسامة بن لادن في وقت سابق على ما يعرف بـquot;بطاقة مرورquot; من قبل السفارة السعودية في طهران، وهي أشبه بجواز سفر يحمل بيانات وصورة وتاريخ ميلادها لتسهيل مغادرتها من إيران، وهكذا تمكنت من الانضمام بحمد الله لوالدتها التي استقرت في سوريا.(
أما الموقف الإنساني لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، فيحدثنا عنه شقيق إيمان فقد قال (إنه لا يعرف كيف يوفي دين الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الذي بذل الجهد الغالي لتأمين خروج شقيقته إيمان من طهران، وقال إنه quot;أمير بألف أميرquot;. وأضاف quot;كنت أشعر أنه نعم الوالد أو الأخ الكبير الحنون، كان يغسل همنا بكلماته الهادئة مثل بلسم الشفاء، وكان يوصينا بالصبر، مؤكدا أن فرج الله قريب ورحمته وسعت كل شيء، وأن بعد العسر يسرا إن شاء الله، وأن إيمان ستعود إلى حضن أمها في القريب العاجلquot;.
لاحظوا قول الأمير فقد أشار إلى عودتها إلى أمها سالمة معافاة، لقد بلغت مأمنها، ولم تغلق الأبواب في وجهها، ولم يلزموها بالرجوع إلى بلادها للتحقيق معها، لقد تعاملت المملكة معها من منظور إنساني لا أمني، فهي لم ولن تكون موضع اتهام بأي حال من الأحوال بسبب جرائم والدها، ولن يضغط عليها بسبب حاجتها للأمن والأمان لتقر بما لا تعلم .
ومن جهة أخرى علينا تدبر (نظام الجنسية العربية السعودية) المتميز الذي يضمن لمن هم في مثل حالتها المطالبة بجنسيتها السعودية التي أسقطت عن والدها بسبب ما اقترفت يداه، هذا ما يتضمنه نظام الجنسية العربية السعودية فقد جاء في المادة(19 :(تسري الأحكام الآتية على زوجات وأولاد من تسقط عنهم الجنسية العربية السعودية :
1- زوجة من تسقط عنه الجنسية العربية السعودية بمقتضى المادة 13، يكون لها حق اختيار جنسية زوجها الجديدة أو البقاء على جنسيتها السعودية، ولها في حالة انتهاء الزوجية أن تسترد جنسيتها السعودية إذا كانت قد اختارت جنسية زوجها من قبل، وأما الأولاد الصغار فإذا كانوا مقيمين في غير أراضي المملكة العربية السعودية فلهم الحق حين بلوغهم سن الرشد في اختيار الجنسية العربية السعودية بدون قيد ولا شرط كما يخولون كافة الحقوق التي للسعوديين بدون استثناء.
ولذا ضمن لها النظام حق المطالبة بجنسيتها إن رغبت، وقد تحصل على الجنسية دون قيد ولا شرط، والنظام يخولها الحصول على كافة حقوق المواطنين دون استثناء، وهنا أتسأل أين لجان حقوق الإنسان العالمية من إنسانية هذا النظام وهذا التطبيق؟! هذه هي بلادي التي أفخر بها، هذه هي المملكة العربية السعودية.