عدنان حسين

علامَ هذه الضجة كلها؟.. ولماذا هذا الإسفاف المريع في لغة الحوار (غير المباشر) عبر الفضائيات والتصريحات الصحافية؟ ألِأن إياد علاوي الذي كان منذ ست سنوات رئيسا منصّبا للحكومة العراقية يمكن أن يعود الى المنصب منتخبا؟
هذا حق له إذا ما أحرزت قائمته (العراقية) موقع الكتلة الأكبر في البرلمان.. الدستور الذي أسهم في صياغته كل مثيري الضجة الكبرى هذه يقول بأن يكلف رئيس الجمهورية زعيم أكبر كتلة انتخابية بتشكيل الحكومة، فإن فشل في حشد الأغلبية المطلوبة (خمسون في المئة زائدا واحد) حوله، تحوّل رئيس الجمهورية الى رئيس الكتلة التالية فالتالية.. وهكذا.
ومن حق إياد علاوي أيضا ان يسعى لترؤس الحكومة، باعتباره مواطنا عراقيا وعضوا منتخبا في البرلمان وزعيم حركة سياسية، ورئيس تكتل نيابي، فرئيس الحكومة المقبلة لن يكون بمواصفات مختلفة عن مواصفات علاوي هذه.
لِمَ الضجة إذن؟ ألِأنَ جماعته ساهموا، بصورة من الصور، في التلاعب بنتائج الانتخابات؟ هذه الممارسة -إذا ما أمكن إثباتها- لم تقتصر على جماعة علاوي. الكل -أقصد الكتل والكيانات الرئيسية التي كانت لها الهيمنة في البرلمان السابق وستكون لها في البرلمان الجديد- كان لها هذا laquo;الشرف الرفيعraquo;.. ما من محافظة او قضاء او ناحية لم تشهد صورا من التلاعب بإرادة الناخب العراقي.. من شراء الأصوات والذمم بالمال، الى استخدام الدين والرموز الدينية.. الى توظيف إمكانات الدولة والمجالس البلدية.. الى الاستعانة بوسائل الترغيب والترهيب.. الى التلويح بالمغريات والامتيازات.. الى التزوير في الأوراق الانتخابية قبل ايداعها الصناديق.. الى التلاعب ببيانات الكومبيوتر.. الجميع، من دون استثناء، كان ضالعا في هذا، الآن وفي كل الانتخابات السابقة، فلِمَ الضجة على علاوي؟.. من كان منكم بلا خطيئة انتخابية فليرجم علاوي بحجر.
لِمَ الضجة على علاوي وهو واحد فقط وكتلته البرلمانية لم يكن عدد أفرادها يزيد على العشرين من 275 عضوا في البرلمان الذي لم يفِ بوعده في انجاز التعديلات على الدستور وتشريع قانون للأحزاب وإجراء الاحصاء السكاني العام.. البرلمان الذي أجاز قانونا للانتخابات غير ديمقراطي، حافلا بالمواد التي تنتهك الحقوق المتكافئة للأفراد والجماعات العرقية والدينية والسياسية.
لِمَ الضجة على علاوي والبرلمان ذو الـ 275 عضوا، وليس علاوي وحده وكتلته الصغيرة، هو الذي شكّل مفوضية للانتخابات غير مستقلة.. مفوضية حزبية تقاسمت فيها الاحزاب المهيمنة، بما فيها الأعلى صوتا في الضجة الحالية، الوظائف والمناصب التي يستغلها أصحابها، كلٌّ لصالح حزبه وطائفته.. مفوضية أثبتت أربع عمليات اقتراع سابقة انها غير نزيهة، غير أمينة، غير كفوءة وغير وطنية؟
لِمَ الضجة على علاوي؟ ألِأن كتلته الانتخابية استقطبت أصوات البعثيين فحققت هذا الاكتساح؟.. هذا ليس ذنبه.. هذا من صنع أياديكم.. لم يكن البعثيون وحدهم من صوّت بكثافة لقائمة علاوي.. كثير من غير البعثيين انتخبوها، بعضهم كان يصّوت في الانتخابات السابقة للاحزاب الاسلامية (الشيعية والسنية على السواء)، وقد تحوّلوا الى قائمة علاوي بعدما خذلتهم تلك الاحزاب التي هيمنت على الحياة السياسية ست سنوات ولم تحقق شيئا مما وعدت به.. لا الأمن ولا الخبز ولا الخدمات، بل إن أكبر laquo;إنجازاتهاraquo; تمثّّل في الفساد المالي والإداري وفي الحشد الطائفي.. والبعثيون أنفسهم ما كانوا سيندفعون الى التصويت لمصلحة علاوي وقائمته لو لم تخرج مسرحية laquo;المساءلة والعدالةraquo; بأسلوب بائس استفزازي، أثار مخاوف حتى الذين قرروا ان يضعوا البعث ومرحلة حكمه خلف ظهورهم والاندماج في الوضع الجديد والتطلع الى حياة جديدة.
لا تلوموا علاوي، فالقوة الانتخابية الكبيرة جاءته على طبق من ذهب، مثلما وصلت السلطة إليكم على طبق من ذهب منذ سبع سنوات.. لوموا أنفسكم، فأنتم المهيمنون منذ العام 2003 حتى الآن، والتزوير والتلاعب في الانتخابات أنتم بدأتموه منذ انتخابات الجمعية الوطنية (2005) واستمرأتم ممارسته في كل الانتخابات اللاحقة.. وأنتم من أراد لمفوضية الانتخابات ألا تكون مستقلة ومهنية وكفوءة ووطنية. وأنتم -أصحاب الأغلبية في البرلمان السابق- من حال دون إجازة تعديلات الدستور ودون تشريع قانون للاحزاب ودون إجراء الاحصاء السكاني في موعده المقرر، ودون تشريع قانون انتخابي عادل ومنصف وديمقراطي.. لوموا أنفسكم لأنكم أكبر البغاة، وعلى الباغي تدور الدوائر، وها هي تدور عليكم.