عبد الرحمن الراشد
بلا مواربة تقاطر عدد كبير من الساسة وتحديدا كبار لاعبي الانتخابات على طهران، وعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين في النظام الإيراني بما فيهم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني المكلف بالشأن العراقي. فهل انتهى الشأن العراقي بمثل هذا الوضوح إلى تقليد الإيرانيين مفاتيح العمل بما فيها التكليفات الرئاسية؟ إن من يعرف الساحة السياسية لا يستطِع أن يكابر ويزعم أن ليس لإيران دور وقيمة في الشأن العراقي، خصوصا في الوقت الحاضر. بل على العكس من ذلك، الجميع يدرك أن لإيران دورا مهما، ومن المتوقع أن يراعي كبار اللاعبين السياسيين المصالح الإيرانية التي تتقاطع مع العراقية، لكن ليس على حساب المصلحة العراقية العليا. إنما الذي يبدو أمامنا متنافسون يحجون إلى طهران يستغيثون بها للتدخل لإيصالهم إلى الحكم، أو مباركتها لهم، من خلال جمع التحالفات لتحقيق النصاب البرلماني المطلوب أو السماح لهم أو منع الطرف المنافس. عمليا قزّم هؤلاء بلدهم العراق إلى دويلة موز تابعة لنظام شرس لن يسمح في المستقبل لأي سياسي منهم بالخروج عن مطالب إيران. وعلينا أن لا ننسى أن الإشكالات الإيرانية العراقية في عهد النظام القائم بقيادة الحرس الثوري لن يكون سهلا على طلاب الحكم الجدد أن يواجهوها غدا، من نزاعات حدودية ومناطق نفطية وممرات مياه مشتركة وعلاقات خارجية مع الولايات المتحدة وغيرها إضافة إلى احتمال انعكاس الصراع الإيراني في القيادة العليا على التحالفات العراقية في العراق. أتوقع أن يجيب المتهافتون على طهران مبررين بالقول إن السياسيين العراقيين سافروا إلى الرياض وأبوظبي ودمشق والقاهرة، وبالتالي لماذا اتهامهم بالعمالة وحدهم عندما يطيرون إلى الجارة الكبرى إيران؟ لا أحد يعترض على حقهم في التواصل مع إيران مثلما لا يمكن تجاهل مخاوف الدول الأخرى المجاورة إنما التحويل العراق إلى مثل لبنان في علاقتها السابقة مع سورية عندما كان قادة الأحزاب ينتظرون خارج مكتب ضابط مثل غازي كنعان حتى يسمح لهم بملاقاته أو ينتظرون مكالمته للتعامل مع قضايا بلدية. نحن لا نريد هذا الوضع لدولة كبيرة مثل العراق تملك من الإمكانيات الذاتية والمصادر الطبيعية ما يجعلها أغنى من أي دولة أخرى في المنطقة. إن سفر مجموعة من كبار السياسيين العراقيين لملاقاة الجنرال سليماني يؤذن بمرحلة مخجلة بل ومقلقة للعراق البلد والعراق الشعب. أن يذهب رئيس الجمهورية جلال الطالباني إلى هناك ضمن مجموعة تبحث عن تقليدها مناصب في المرحلة المقبلة يعّبر عن حجم الكارثة المقبلة. لماذا الطالباني تحديدا؟ عدا أنه رئيس الجمهورية لأربع سنوات خلت، يمثل شرعية وتاريخا، أيضا يظهر أن القناعة داخل العراق اليوم أن السياسيين الذين لم يكونوا متهمين قط بموالاة طهران أيضا دخلوا في نفس النفق المظلم. وما يجعل إيران مغرية لزعيم سياسي مثل الطالباني أنه بدل أن يصلح قيادته لحزبه وشعبه في كردستان وبقية العراق صار همه أن يعوض خسائره الانتخابية بجر الإيرانيين إلى الساحة العراقية حتى يتوج رئيسا من جديد. كل الذين تخلوا عن الطالباني وصوتوا لمنافسيه في الانتخابات الماضية لا يمكن تعويضهم بالتدخل الإيراني. وبكل أسف هذا الزعيم الذي حارب الظلم في عهد صدام حسين يسعى اليوم ليستبدل به نظاما لا يقل سوءا عنه. فنظام نجاد - سليماني في إيران ليس بأحسن حالا ويواجه اليوم أمام شعبه معركة استحقاقات منذ انتخابات يونيو (حزيران) الماضي. وإذا كان النظام عاجزا عن إدارة بلده إيران ويواجه حصارا مقبلا، فكيف للطالباني أن يستنجد به لإدارة الحكم في بغداد؟ إنهم يستوردون نظاما جريحا من إيران لمعالجة هزائمهم أو فشلهم في العراق، بل في الحقيقة يدمرون كل ما بنوه في سبيل تركيب تحالفات يسهل عليهم تعويضها في أول انتخابات مقبلة دون الهبوط إلى هذا المستوى من العمل السياسي.
- آخر تحديث :
التعليقات