عاطف الغمري

أحياناً ما يتكرر في الندوات السياسية سؤال من بعض الحضور، عما يملكه العرب من أوراق الضغط في مواجهة ضغوط الآخرين، دفاعاً عن مصالحهم وتقوية مواقفهم؟

وببساطة يمكن تقديم إجابة، تتعدد فيها إمكانات العرب من مشتريات للسلاح، وتعاقدات مع شركات مقاولات عالمية، إلى التجارة وواردات أسواق الاستهلاك، وغير ذلك من العناصر .

لكن ليس هكذا تفعل الدول الأخرى، التي عززت نفوذها، واكتسبت في سنوات قليلة وضعاً تنافسياً في المجتمع الدولي، جعل الكبار يحسبون حسابها كدول مؤثرة في نظام دولي يتشكل حالياً على مبدأ تعددية القوى الدولية . والطريق إلى امتلاك إمكانات القوة، ومكونات الضغط، وصد التجاوزات على المصالح الوطنية، له نقطة بداية . . أوله خطة شاملة، تنظم في إطارها مجموعات عمل من الخبراء والمتخصصين وأهل المعرفة، تناقش، وتدرس، وتضع استراتيجية أمن قومي، وتكلف كل مجموعة عمل بموضوع أو قضية أو منطقة، وتحدد ما يعتريها من ضعف أو قصور، وتضع لإصلاح حالها شروطاً وتوصيات بعد أن تكون هذه المجموعات قد درست مواطن القوة لديها، ومصادر الضعف، وكيفية تفاديها، والمخاطر الآنية والمحتملة، ووضع الخيارات التي تتحول إلى سياسات يتم وضعها موضع التنفيذ للتعامل مع كل مشكلة محتملة أو حتى مستبعدة، حال وقوعها .

ويرتبط بذلك مد النظرة إلى الإطار الإقليمي والدولي، لتقدير فائدة إقامة تحالفات، أو علاقات ثقافية، أو تنسيق مع دول أخرى، يكون من شأنها دعم الهدف الرئيسي للاستراتيجية المنشودة .

وفي النهاية تعرض النتائج التي تتوصل إليها مجموعات العمل إلى القادة العرب، بعد أن تتم صياغتها في خطة أو استراتيجية واحدة .

إن مخاصمة التصرف على هذا النحو، يبقي على الفراغ الاستراتيجي العربي الموجود بالفعل، والذي يعد عامل إغراء لقوى غير عربية، لكي تملأ هي هذا الفراغ، وتتحرك فيه بما يخدم أهدافها الحيوية، ومصالح أمنها القومي .

وهو أمر حادث الآن بالفعل، وسوف يعزز استمراره من أدوار هذه القوى أكثر مما هي عليه، خاصة ldquo;إسرائيلrdquo; وتركيا وإيران كما يدعم النزعة لتهميش الوجود العربي الحقيقي .

إن كون العالم العربي جزءاً من عالم يتغير من حوله، يعني بالضرورة أن هناك تطورات ومتغيرات في العلاقات الدولية، وفي سياسات مختلف الدول، بشكل سيؤدي إلى خلق جبهات خطر جديدة ستحيط بالعالم العربي وتحاصره، ما دام هو اختار السكون والامتناع عن ملاحقة التغيير في العالم والذي صار ضرورة وجود .

وتبقى سياسات ldquo;إسرائيلrdquo; هي القضية العاجلة والمزمنة، بما تظهره يومياً لكل ذي عينين، من رفض للسلام، ولحل القضية الفلسطينية، وهي سياسة تنبني أساساً على حسابات المؤسسة السياسية في ldquo;إسرائيلrdquo;، تعرف غياب المبادرة عربياً، وترك العرب مجالهم الحيوي فراغاً استراتيجياً، وهو ما يغريها على الاستهانة بهم، بل وبأي مطالب من دول العالم من أجل السلام، وتصرّ على ممارسة تصرفات تضر بالاستقرار والأمن الإقليمي في المنطقة .

ولنا أن نقارن ذلك بما سبق أن حدث في آسيا، عندما فكرت حكومة بوش في توجيه ضربة لكوريا الشمالية، لكنها وجدت أمامها قوة ردع لها، تمثلت في رفض هذا الاتجاه من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، والأخيرتان حليفتان لها، بحجة حرصها على الاستقرار الإقليمي في منطقتها، والتي ملأتها باستراتيجيات أمن قومي فاعلة ونشطة، ولم تتركها فراغاً .

إن غياب الفكر الاستراتيجي العربي هو سبب أساسي، وراء عدم القدرة على إدارة عملية السلام مع ldquo;إسرائيلrdquo;، والتي سبق أن وصفها الزعماء ldquo;الإسرائيلونrdquo; بأنها صراع من أجل السلام، فكانت النتيجة انفراد ldquo;إسرائيلrdquo; بامتلاك إدارة هذه العملية، وهو ما أفرغها من مضمونها، وأصابها بالخلل المزمن .

إن غياب استراتيجية أمن قومي، لايؤثر فقط في الموقف العربي ويضعفه، في إدارة الصراع مع ldquo;إسرائيلrdquo;، لكنه أيضاً وبدرجة أعم يعمل على تغييب العرب عن العصر، الذي يتشكل في صورة مختلفة، وهم مثابرون على التعامل معه، بمقاييس عصر سابق، راح أوانه، بينما مسوغات الالتحاق بالعصر الحالي ومفاتيح دخوله، هي امتلاك استراتيجية أمن قومي، بعد أن تغيرت في حسابات وسياسات الدول، وقواعد علاقاتها الدولية، مفاهيم قوة الدولة ومكانتها ونفوذها .

وحيث لم تعد القدرة العسكرية هي المقياس الوحيد لهذه القوة، بل صعدت إلى مستواها نفسه، وتجاوزتها أحياناً في حسابات عديد من الدول، القدرة الاقتصادية التنافسية، والتي لم تعد دولة بمفردها مهما كانت إمكاناتها تملك أسباب الوصول إليها فهي قدرة تصنعها التكتلات الاقليمية، بما تتيحه من تنوع الموارد والخبرات، والتي ستكون سمة العصر .

ولهذا تظل أي اجتماعات عربية، على أي مستوى، مجرد لقاءات للمناسبة في وقتها، ولن تكون لها أية فاعلية حقيقية، من دون نقطة البداية التي أشرت إليها، والتي تسلح وتجهز القوى الدولية، بأسباب القوة والمكانة والنفوذ والوجود .