أحمد أميري

في حوار صحافي، سُئل الشيخ عبدالحميد الزهي، المرجع الديني لأهل السُنة في إيران، عن أحوال المسلمين السنة في إيران حالياً، فقال إنه قبل قيام الثورة لم يكن للمذهب دور في التوظيف وتبوؤ المناصب، ولم تكن هناك شكوى من تمييز أو عدم مساواة، كون النظام السائد آنذاك نظاما علمانيا.

لكن في ظل النظام الإسلامي لم يوظّف أي سُني نائباً للرئيس أو وزير أو نائب وزير أو سفير أو رئيس محافظة، فالأهلية والكفاءة تنحيان جانباً عند النظر إليهم ويتم التعامل معهم مذهبياً. هذا بخلاف أن تمثيلهم لا يتناسب مع عددهم، فبينما هم يمثّلون ربع أو خُمس السكّان، فإن نسبة النواب السُنة في مجلس الشورى 7 بالمئة فقط، وليس للسُنة حضور في الشرطة والقوات المسلحة.

وفي الانتخابات التشريعية في العراق التي أقيمت مؤخراً، حصلت الكتلة quot;العراقيةquot; بقيادة الشيعي العلماني علاوي على نسبة 67 بالمئة من مجموع المقاعد المخصصة للمحافظات السنية الأربع، الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى. وquot;العراقيةquot; تمثل تحالفاً سياسياً كبيراً يضم العرب السُنة بالتحديد، وتضم زعامات سُنية كطارق الهاشمي وأسامة النجيفي، لكن الشخصية الرئيسية في هذه الكتلة هي علاوي نفسه.

والآن، ما علاقة الثناء المبطن على نظام الشاه الشيعي العلماني على لسان مرجع أهل السُنة المعمّم، بالتصويت الكبير لزعيم شيعي علماني من قِبل الناخبين العراقيين السُنة الذين لم يمنحوا أصواتهم للأحزاب الدينية السُنية بقدر ما منحوها لكتلة إياد علاوي، فحقق عبر أصواتهم 52 بالمئة من مجموع المقاعد التي حصلت عليها كتلته في أنحاء العراق؟

في الوضعين العراقي والإيراني وفي أي دولة متعددة الأديان والمذاهب، تعد العلمانية النظام الأصلح، فتحت ظلها يكون الوطن وطناً للجميع، بينما الأنظمة الدينية أو الطائفية تثبت الواحد تلو الآخر أنها فاشلة، في السودان وأفغانستان quot;طالبانquot; وإيران والعراق. بالعلمانية يمكن للسوداني المسيحي والأفغاني الشيعي والإيراني السُني والعراقي السُني أن يشعروا بالمواطنة الحقيقية وبالمساواة.

لكن مشكلة العلمانية أن الرافضين لها يرونها امتداداً للعلمانية الأوروبية التي ألجمت خيول الكنيسة من أن تصول وتجول في الميدان العام، وأصبح المتعطش للمسائل الروحية هو الذي يذهب إلى الكنيسة برجليه بدلاً من أن تقتحم الكنيسة بيته. وأخذت الشيوعية تمط في مفهوم العلمانية حتى أصبحت مرادفاً للإلحاد بالإعلان عن أن الدين أفيون الشعوب، وهكذا تم الفصل بين الدين والمجتمع أيضاً.

لكن العلمانية المعتدلة كالعلمانية الأميركية لا تعرف هذا التطرف، يقول الكاتب صبحي غندور: quot;فرنسا اختارت العلمانية تاريخياً من أجل وضع حدٍّ لتدخّل الكنيسة في شؤون الدولة، بينما الآباء الدستوريون في أميركا، اختاروا النظام العلماني لضمان حرّية تعدّد الطوائف الدينية ولعدم طغيان طائفة على أخرى... العلمانية الأميركية تشجّع على الإيمان الديني ولا تحاربه، وتقوم المؤسسات الحكومية بدعم المراكز والمؤسسات الدينية (وبعضها إسلامي)... وحقوق الناس في ممارسة شعائرهم الدينية (بما في ذلك مسائل الشكل واللباس) مصونة بحكم القانون. وهذا أمر لا توفّره مثلاً التجربة العلمانية الفرنسية أو التركيةquot;.

ومشكلة العلمانية الثانية أن من يرفضها هو في الأساس من يدين بدين ومذهب الدولة الرسمي، لذلك فهو لم يكتو بنار عدم اعتراف دولته به في ظل نظام ديني أو طائفي يمارس ضده منطق التخوين والتكفير والإقصاء والاستئصال، ومن ثم يرفع حاجبيه تعجباً من الكلام عن العلمانية، لأن الأمور طيبة وكل شيء على ما يرام، بل يرى دولته الدينية أو الطائفية من طبيعة الأشياء وما هو موافق للعقل بالضرورة، ويعتبر الدعوة إلى العلمانية بدعة تؤدي إلى الضلالة ومن ثم إلى النار.