علي خليفة الكواري

جانب من المنشآت النفطية في منطقة الشعيبة الصناعية - الكويت تصوير: نايف العقلةمما يؤسف له حقا أن النفط في الدول العربية بشكل عام، لايزال خارج نطاق السيطرة الوطنية، ولم يتم إخضاعه لاعتبارات التنمية ومتطلبات الإصلاح، وإنما كانت ردة الفعل لما يحصل في أسواقه وتقلبات أسعاره، وليس الفعل الواعي، هي الحقيقة المرة المتكررة. فالنفط هو المارد الذي يفعل ما يشاء وقت تشاء السوق، ومن يتحكم فيها. تقوض آثاره السلبية مجتمعات، وتمسخ قيما حميدة، وتشوه الهوية الوطنية الجامعة. كما تؤدي سياسات إعادة توزيع عائدات النفط الراهنة، إلى تكريس أنموذج laquo;تنمية الضياعraquo; بشكل متصاعد بعدما أضاعت فرصا ثمينة لبدء عملية تنمية مستدامة في دول المنطقة، وذلك دون عيب في النفط وإنما العيب فينا.

إن الشغل الشاغل للحكومات -مع الأسف- يركز دائما حول كيفية تدوير عوائد النفط، بصرف النظر عن جدوى الإنفاق العام في زمن الطفرات.. من ناحية، ومن ناحية أخرى.. كيفية موازنة الإنفاق العام مع عائدات النفط دون إصلاحه، في وقت تراجع أسعار النفط، أو تراجع إنتاجه. الأمر الذي أدى إلى تزايد نصيب النفقات السرية والجارية في الميزانيات العامة على حساب النفقات العلنية والاستثمارية، وكان الضحايا في كل تراجع وانحسار للطفرات النفطية، هم أصحاب الدخل المحدود، وخدمات التعليم والصحة والإسكان وصيانة البنية الأساسية ومشاريع تطويرها، إلى جانب استهلاك فوائض النفط، فضلا عن تسربها، بمعدل أسرع وأعلى من تراكمها.

وبفضل الغطاء المالي للنفط انصرفت الحكومات عن الأمر المهم والمصيري، وهو تحقيق تنمية ذات وجه إنساني تستثمر عائدات النفط، بدلا من استهلاكها، تنمية ترتكز على سياسة نفطية تخضع إنتاج النفط وتصديره لاحتياجات التنمية الاقتصادية - الاجتماعية الشاملة. ولذلك تأرجح نمط laquo;التنمية النفطيةraquo;، بين ضياع فرص التنمية ونمط laquo;تنمية الضياعraquo; في الدول الصغيرة، التي بدأت تفقد لغتها العربية وتشوه هويتها العربية-الإسلامية الجامعة ويتفاقم فيها الخلل السكاني، وصولا إلى تشجيع توطين الأجانب بموجب ربط الإقامة الدائمة بمجرد شراء حق الانتفاع بعقار.

laquo;التنمية النفطيةraquo; ومفهوم التنمية الحميدة

laquo;التنمية النفطيةraquo; هي أنموذج يصعب تسميته تنمية، وإنما هي تغيرات تلقائية متقلبة صاحبت عصر النفط في دول المنطقة. فما محصلة التغيرات المصاحبة للنفط في هذه الدول؟.

الإجابة المرة التي تؤكدها أدبيات التنمية منذ مدة طويلة، تشير إلى أن تلك التغيرات -الفجائية والعشوائية- لم تكن عملية تنمية بالمعنى المتعارف عليه لمفهوم التنمية الحميدة.

مفهوم التنمية

التعريف المختصر الذي توصلنا إليه -منذ مدة- يعتبر التنمية الشاملة عملية مجتمعية واعية ومستدامة موجهة وفق إرادة ومصلحة وطنية بغية إيجاد تحولات هيكلية وإحداث تغييرات سياسية-اجتماعية-اقتصادية-ثقافية، تسمح بتحقيق تصاعد مضطرد لقدرات المجتمع المعني، وتحسين مستمر لنوعية الحياة، وتوسيع خيارات الأفراد والجماعات فيه.

وقد تم التأكيد على هذا التعريف، عندما أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مصطلح التنمية البشرية على عملية التنمية المرغوبة، وعرفها بأنها laquo;عملية توسيع نطاق الخيارات المتاحة للناسraquo;.

ومنذ البداية أكد تقرير 1991 على أن laquo;التنمية البشرية تتطلب نمواً اقتصاديا، من دون نمو اقتصادي لن يكون من الممكن تحقيق تحسن متصل في الأحوال البشرية عموماًraquo;. كما تم ربط مفهوم التنمية البشرية أيضاً بتحسن نوعية الحياة -المادية والنوعية- وتم اعتماد مؤشرات كمية لقياس تحسن نوعية الحياة المادية (الدخل والصحة والمعرفة). وإلى جانب ذلك تم التأكيد على مؤشرات كيفية لقياس نوعية الحياة (حقوق الإنسان، والمشاركة السياسية الفعالة والتجانس السكاني والاندماج الوطني والأمن الفردي والاجتماعي والقومي). وأكد تقرير 1992 على أن laquo;الحرية السياسية هي عنصر جوهري من عناصر التنمية البشريةraquo;. كما أكد تقرير 1993 على أن المشاركة معناها laquo;اشتراك الناس عن كثب في العمليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على حياتهمraquo;.

وفي العام 1994 أكد تقرير التنمية البشرية على الأفق الزمني والاستدامة، كما أكد على العدالة بين الأجيال من خلال تأكيده على ضرورة اضطراد تحسن مؤشرات النمو والتحول، واستدامتهما متصاعدين عبر الزمن. وفي ذلك تأكيد على أن التنمية عملية وليست حالة، واتجاه مستمر في النمو وليست مجرد وضع متقلب.

ويوصّف تقرير 1994 التنمية البشرية بأنها أنموذج للتنمية laquo;يحمي خيارات الأجيال التي لم تولد بعد. ولا يستنزف قاعدة الموارد الطبيعية اللازمة لدعم التنمية في المستقبلraquo;. ويخلص التقرير إلى أن laquo;التنمية المستدامة تعالج الإنصاف - داخل الجيل الواحد والإنصاف بين الأجيالraquo;... laquo;وفي التحليل الأخير، التنمية البشرية المستدامة تنمية موالية للناسraquo;.

ويحذر مفهوم التنمية البشرية من رهن المستقبل واستمراء الاستهلاك عن طريق استنضاب الثروات الطبيعية، أو تدمير البيئة، أو تهديد التجانس والاندماج الاجتماعي (الخلل السكاني). وينذر تقرير 1994 قائلاً: laquo;كل الديون المؤجلة ترهن الاستدامة، سواء كانت ديوناً اقتصادية أم ديوناً اجتماعية أو ديوناً أيدلوجيةraquo;.

ماهية التغيرات المصاحبة للنفط

يتبين من تحديد مصطلح التنمية بكل مسمياتها الإيجابية أنها مفهوم مركب. فالتنمية عملية Process كما أنها آلية Mechanism، هذا إلى جانب كونها أداة ووسيلة لتحقيق أهداف مرحلية ضمن إطار غايات إنسانية وحضارية ذات أبعاد مجتمعية. أما مؤشراتها المتداخلة والمتكاملة فهي أربعة: أولها: نمو اقتصادي بمعنى تزايد مضطرد دونما انقطاع في إنتاجية الفرد وإنتاج المجتمع لعقود عدة من الزمن. ثانيها: تحولات هيكلية تتطلب امتلاك الارادة الوطنية وتطال مجمل أوجه التخلف، السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بهدف تنمية قدرات المواطنين وإطلاق طاقاتهم الخيّرة على المستويين الفردي والجماعي. وثالثها: تحسن مضطرد ومستدام لنوعية الحياة المعنوية والمادية لأفراد المجتمع وجماعاته. رابعها: تكريس نسق اجتماعي يحافظ على استمرار المجتمع ويعزز هويته الجامعة. نسق يهدف إلى توسيع الخيارات المتاحة للمواطنين بأجيالهم المتعاقبة، تعبيراً عن تبني إستراتيجية للتنمية المستدامة.

ضياع فرص التنمية

إذا أجرينا مقارنة يتبين لنا مدى ابتعاد المتغيرات المصاحبة لعصر النفط في المنطقة، عن نهج التنمية. فقد أضاعت المتغيرات العشوائية المتقلبة على المنطقة فرص تنمية محتملة، نتيجة لعدم إصلاح أوجه الخلل المزمنة، بل تفاقمها وعجز السياسات الحكومية عن إحداث تغييرات هيكلية تسمح ببناء قاعدة إنتاجية -مؤسسية وبشرية ومادية- بديلة للنفط.

وهذا العجز لا ينفي وجود تحسن في جوانب من الحياة المادية مثل ارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع المستوى الصحي وانتشار التعليم والاتصال بالعالم. ولكن تبقى الحقيقة بأن تلك التحسينات تمثل حالة سمحت بها الوفرة النفطية ومرهونة باستمرارها.

أما الجوانب المعنوية من الحياة، فلم تشهد تحسناً يذكر، باستثناء الكويت التي عاشت فترات من الحياة الدستورية وتمتع مواطنوها بشكل متقطع، بقدر من المشاركة السياسية. ولذلك فإن ضمانات الحريات العامة وضمانات حقوق المواطن والإنسان لم تتقدم، بل إن بعضا من ضماناتها التقليدية قد تراجع نتيجة لتراجع الدور السياسي للقبيلة العربية، دون استبداله بمؤسسات مجتمع مدني حديث ومستقل عن هيمنة السلطة وتوجيهها المباشر له من خلال تولي أصحاب الحكم مقاليد إدارة ما يسمى منظمات المجتمع المدني، فضلا عن هيمنتهم على القطاع الخاص ومجالس إدارات الشركات المساهمة.

الأمر الذي أخل بمتطلبات الحد الأدنى من التوازن بين السلطة والمجتمع، وجعل المواطنين يقفون عاجزين أمام آلة السلطة التي تضخمت بفضل امتلاكها لريع النفط وتحكمها في سياسات إعادة توزيعه، في ظل وجود الفساد الكبير واستباحة المال العام الذي تؤكده ظاهرة تسرب عائدات النفط -من دون مساءلة- قبل وبعد دخولها الميزانيات العامة، كما تشرعه بعض الدساتير والنظم واللوائح. هذا إضافة إلى تأثير الخلل السكاني على دور المواطنين، وكذلك ضمان الحماية الأجنبية لكل سلطة صديقة، بصرف النظر عن رضى الشعوب. فقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى نشوء laquo;سلطة أكثر من مطلقة، ومجتمع أقل من عاجزraquo; على حد تعبير الزميل محمد غباش.

نمط laquo;تنمية الضياعraquo;

والسؤال المنطقي، إلى أين؟ سوف يؤدي استمرار ذلك المسار الخطر بمجتمعات المنطقة وشعوبها في المستقبل. لقد فوتت التوجهات الاستهلاكية والشخصية لمتخذي القرار على المنطقة فرصة بناء قاعدة إنتاجية بديلة للنفط، وضيعت بالتالي فرصة بدء عملية تنمية مستدامة على كل من دولها. فهل تدفع -اليوم- التوجهات التي مازالت تحكم مسار الحاضر بمجتمعات المنطقة إلى الضياع -لا قدر الله- بعدما ضيعت توجهات الماضي فرصاً ثمينة لبدء عملية تنمية مستدامة.

إن المعطيات التي أفرزتها المتغيرات المصاحبة لعصر النفط واستمرار أوجه الخلل المزمنة وتفاقم الخلل السكاني والخلل السياسي والخلل الأمني على وجه الخصوص، تدفع بدول المنطقة بشكل عام، والإمارات وقطر والبحرين بشكل خاص، إلى نمط laquo;تنمية الضياعraquo;... إن جاز تسمية التغيرات الراهنة laquo;تنميةraquo;. إن التنمية يجب أن تكون من أجل المواطنين كما يجب أن تعتمد عليهم، وما يجري هو تهميش دور المواطنين واقتلاع مجتمعاتها الأصلية.

ولعل تفاقم الخلل السكاني، وما سيؤدي إليه من تحول بعض دول المنطقة، أو أجزاء منها إلى مراكز دولية منقطعة الصلة بالمجتمعات الأصلية فيها، بلغتها وهويتها ومصالحها (نمط سنغافورا)، يظل احتمالاً وارداً بالنسبة إلى الدول الأصغر في المنطقة. هذا إذا استمر -لا قدر الله- الخلل السكاني في تداعياته، ولم يتمكن المواطنون من التوافق على قواسم وطنية مشتركة ويكتسبوا حق المشاركة السياسية من أجل أن يقوموا بدور التيار الرئيس في المجتمع.

ومن هنا فإن احتمالات الضياع لا يجـــوز التقليل منها، إذ إن هناك خطراً ماثلاً يهدد بانزلاق المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة إلى مآزق يصعب الخروج منها. هذا إذا لم تكن بعض دول المنطقة قد انزلقت إليها بالفعل.

ومن أخطر هذه المزالق هو ما تشهده الإمارات وقطر والبحرين، وربما سلطنة عمان من تفاقم الخلل السكاني والتوجه لتطوير بنية أساسية اجتماعية وثقافية، عمادها اللغة الانجليزية في التعليم العام والجامعات وفي الإدارة والخدمات الترفيهية، من أجل خدمة متطلبات سياسات التوسع العقاري لغير حاجة المواطنين والوافدين للعمل، وإنما بقصد التوطين عن طريق تشجيع مشتري العقارات من مختلف القارات وعبر الحضارات بتوفير بيئة اجتماعية وثقافية مفضلة لديهم، وبمنحهم إقامات دائمة مع أفراد أسرهم كافة، بصرف النظر عن حاجة العمل إليهم في الدولة المانحة للإقامات الدائمة، أو إمكانيات اندماجهم في المجتمع الوطني.

ومن الملاحظ أن تشريعات وتعليمات ربط شراء العقارات بحق الحصول على إقامات قد صدرت في الإمارات وقطر والبحرين وعمان منذ 2004 بناء على laquo;نصيحة وتخطيطraquo; كبريات الشركات الاستشارية الاجنبية، وترتب عليها استقدام للوافدين بشكل غير مسبوق من أجل بناء مدن ليست لتلبية حاجة المواطنين

والمقيمين فيها.

وقد أدت سياسات الاستقدام هذه إلى تدن مرعب في نسبة المواطنين في إجمالي السكان، حيث أصبحت نسبة المواطنين في العام 2007: 10 % في الإمارات و16 % في قطر، وإلى النصف في البحرين بعدما كانت قبل عام واحد تساوي الثلثين. هذا مقارنة بنسبة 20 % في الإمارات، ونسبة31 %في قطر العام 2001. أما مساهمة المواطنين في إجمالي قوة العمل فقد تدنت إلى 5 % في الإمارات و7 % في قطر و15 % في البحرين.

متطلبات الإصلاح

إصلاح أوجه الخلل المزمنة في المنطقة، هو المدخل لبدء عملية تنمية حميدة طال انتظارها. والتنمية بدورها تتطلب سياسات نفطية تخضع النفط لاعتبارات التنمية. فلابد لكل سياسة جادة للإصلاح أن تحدد أوجه الخلل التي تسعى إلى إصلاحها، وتعين الأهداف المرجو الوصول إليها من عملية الإصلاح وتلتزم بالإستراتيجيات التي تحقق ذلك. وأوجه الخلل المزمنة في المنطقة يمكن إجمالها في أربعة أوجه رئيسة.

منها اثنان متفق عليهما مع الحكومات. أولهما: الخلل السكاني. وثانيهما: الخلل الإنتاجي-الاقتصادي. واثنان آخران مسكوت عنهما على المستوى الرسمي: أولهما: الخلل في العلاقة بين السلطة والمجتمع وغياب الديمقراطية في معظم أقطار مجلس التعاون. وثانيهما: الخلل الأمني والاعتماد على الغرب في توفير الدفاع عن دول المنطقة مقابل الهيمنة على قرار دولها.

ومن هنا فإن أي أجندة للإصلاح المنشود في المنطقة يجب أن تبدأ بإصلاح أوجه الخلل المزمنة الرئيسة الأربعة المذكورة أعلاه، إضافة إلى تحديد أهداف عملية الإصلاح وسياساته ومراحله.

وهذا يتطلب بالضرورة أن يتغير حال الشقاق بين جماعات المواطنين وتياراتهم الفكرية إلى حالة وفاق على قواسم وطنية مشتركة.. قواسم تعمل من أجل تحقيقها جماعة وطنية في كل دولة من أجل تفعيل دور المواطنيين، باعتبارهم اللاعب الثالث المفترض في تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة إلى جانب الحاكم ودول الحماية الأمنية التي أصبحت لاعبا محليا رئيسا.

جدير بالتأكيد أن دواعي الإصلاح والمطالبة به لم تتوقف في المنطقة على المستوى الأهلي وكذلك على المستوى الرسمي:

فمنذ قيام مجلس التعاون اعترف المسؤولون في المجلس بوجود مسار خطر وكتب الأستاذ عبدالله بشارة العام 1987، في العدد السادس من مجلة laquo;التعاونraquo;، مؤكداً وجود مطالب إصلاح، تغلق دونها الأبواب. وأضاف أن laquo;التحدي الذي يواجه دول الخليج، هي قدرتها من عدمها، على التجاوب مع هذه الطرقاتraquo;.

وفي العام 1998 نجد أن laquo;إستراتيجية التنمية الشاملة البعيدة المدى لدول مجلس التعاون (2000-2025)raquo;، والتي اعتمدها القادة في ديسمبر 1998 في أبو ظبي، تؤكد أن laquo;من أبرز التحديات التي تعيشها مسيرة التنمية الوطنية بدرجة أو بأخرى ولم تتخلص منها... (هي) استمرار هيمنة الموارد الأحادية على مصادر توليد الدخل، وهو ما يعمل على تضييق خيارات التنمية وفرص الكسبraquo;. وتضيف الإستراتيجية مؤكدة ارتباط التحديات كافة باختلالات بيّنة في التركيبة السكانية بما تتضمنه من تأثيرات سلبية على التجانس الاجتماعي وبواعث المواطنة والولاء.

وعلى المستوى الأهلي، يمثل laquo;مشروع الإطار العام لإستراتيجية التنمية والتكاملraquo; في أقطار مجلس التعاون الذي تم إعداده العام 1983، أحد تصورات الإصلاح المطلوبة لتصحيح مسار التنمية في المنطقة.

وقد بدأ هذا المشروع بالمنطلق والطموح الذي تمثله المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس والتي تعتبر أن المجلس جاء laquo;استكمالا لما بدأته (دول المنطقة) من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتهم نحو مستقبل أفضل وصولا إلى وحدة دولهاraquo;.

وبعد ذكر الغايات البعيدة المدى للتنمية والتكامل في المنطقة، أكد الإطار العام هذا على التحديات التي تواجه المنطقة والإمكانيات المتاحة لها. وتوقف المشروع عند الأهداف الإستراتيجية العاجلة وحددها في التالي: أولا تخفيض الاعتماد على النفط تدريجيا وإخضاع إنتاجه لاعتبارات التنمية. ثانيا تخفيض قوة العمل الوافدة وتعديل تركيبتها وتحسين نوعيتها. ثالثا إخضاع النفقات العامة لمعايير الجدوى الاقتصادية. رابعا إصلاح الإدارة الراهنة وتنميتها (مبتدئين بالإدارة السياسية). خامسا بناء قاعدة اقتصادية بديلة. سادسا بناء قاعدة علمية-تقنية ذاتية متطورة. سابعا إصلاح التعليم وربطه بمتطلبات التنمية. ثامنا توفير البيئة الملائمة لتنمية ثقافة اجتماعية مستمرة.

في الختام حدد مشروع الإطار العام هذا متطلبات تنفيذه في ما يلي: أولا تجسيد الكيان السياسي الموحد وترسيخ أسسه. ثانيا إيجاد إدارة إقليمية لإدارة التنمية. ثالثا تهيئة الإدارة المحلية وتوثيق ترابطها مع إدارة التنمية الإقليمية. وقد كان التأكيد على متطلبات التنفيذ هذه -مع الأسف- السبب الرئيس لرفض وزراء التخطيط للمشروع، باعتبار التنمية والتكامل لديهم مجرد مشروعات مشتركة وليست إصلاحا سياسيا واجتماعيا إلى جانب الإصلاح الاقتصادي.

نحو إصلاح جذري من الداخل

على الرغم من التعثر المتواصل لكل مطالب الإصلاح في المنطقة، فإن الإصلاح مازال مطلبا ملحا، كما كان الإصلاح دائما مطلبا لأهل المنطقة في العصر الحديث. فالمطالبة بالإصلاح لم تنقطع على مدى قرن من الزمان، ولكنها مع الأسف أجهضت أو تم احتواؤها، ولم تتبلور في الغالب وتصبح حركة شعبية مستدامة، حتى تكلل بالوصول إلى توافق مع الحكومات، تتوافر له مقومات التطبيق على أرض الواقع. ويستثنى من ذلك المرحلتان القصيرتان اللتان شهدتا وضع دستور الكويت لعام 1962 ودستور البحرين لعام 1972، والتي كان لظروف الاستقلال إضافة إلى الحركة الوطنية في كل من الكويت والبحرين، فضل في خروج تلك الدساتير.

أختم بذكر الجهود التي بذلها منتدى التنمية. ففي اللقاء الخامس والعشرين لمنتدى التنمية العام 2004 الذي يضم في عضويته نخبة من مواطني الدول الست في مجلس التعاون تمت مراجعة التوصيات التي أكدت عليها لقاءات المنتدى على مدى 25 عاما وتمت دراسة أوجه الخلل المزمنة. كما تم التوصل إلى مشروع أهلي للإصلاح الجذري من الداخل في أقطار مجلس التعاون. وقد تحددت أجندته في ما يلي:

أولا: تصحيح العلاقة بين السلطة والمجتمع. ثانيا: إصلاح الخلل السكاني. ثالثا: إصلاح الخلل الاقتصادي- الإنتاجي. رابعا: إصلاح الخلل الأمني في إطار اتحاد دول مجلس التعاون. خامسا: مطلب الديمقراطية وحقوق الإنسان وتنمية المجتمع المدني: باعتبار الديمقراطية هدفاً من الأهداف الوطنية وإلى جانب ذلك وسيلة لتحقيق بقية الأهداف.

يبقى التحدي الرئيس الذي يواجه أهل المنطقة وفقا لما جاء في مشروع الإصلاح من الداخل، هو توافق الإفراد والجماعات التي تنشد التغيير -على المستوى الأهلي والرسمي- على قيام حركة جامعة من أجل الإصلاح المنشود في كل دولة، وعلى مستوى مجلس التعاون.