أمينة خيري
الأحداث المتواترة على المنطقة العربية والمتصاعدة والمتفاقمة على مدار العام المنصرم، من حرب غزة الممتدة إلى جنوب لبنان، المتوقع وصول ارتداداتها هنا وهناك، واستمرار الحرب في السودان، وعدم الاستقرار في ليبيا واليمن، ثم المجريات في سوريا، عامرة بالدروس ومليئة بالعبر لمن أراد التعلم والاستفادة.
خمسة دروس تلخص نتائج السنوات الصعبة؛ الأول هو التغيير. تسويق التغيير باعتباره عملاً ثورياً عظيماً وإنجازاً رهيباً هو الوهم بعينه. تغيير الوضع الراهن عبر إسقاطه دون رؤية أو خطة أو توافق من أصحاب الشأن ليس هدفاً، هو نصب واحتيال على الشعوب.
والثاني هو الديمقراطية التي تجد نفسها في أقصى درجات الحاجة إلى المراجعة. القول بأن الديمقراطية بتعريفاتها النظرية هي أفضل ما يمكن أن يحققه نظام ما في دولة ما لشعب ما، هو إفراط في التبسيط، وإمعان في تجاهل الحاجة الماسة إلى الإصلاح.
تتصاعد أصوات الشعوب في الدول الديمقراطية مطالبة بثلاثة إصلاحات رئيسية: معالجة أفضل لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الاقتصاد وفرص العمل والأمن والسلامة والبنى التحتية من طرق وتعليم ورعاية صحية وغيرها، وجميعها من ضرورات تحسين الأداء الديمقراطي؛ ورفع كفاءة النظام، حيث الحاجة إلى تحسين الأداء في قطاعات عديدة في الهيكل الديمقراطي، مثل ساسة أفضل، وتطبيق أكثر عدالة للحقوق، وتوفير الأجواء اللازمة لمشاركة سياسية أوسع من قبل المواطنين، وإعادة هيكلة التفاصيل اللازمة لضمان الحكم الديمقراطي، مثل إجراء إصلاحات جذرية على العمليات الانتخابية ومقوماتها ومكوناتها، وتحقيق قدر أكبر من التوازن في القوة بين المؤسسات، وتصحيح أداء المحاكم والعدالة.
خير ما يلخص الديمقراطية في مطلع 2025، وذلك بعد عام حافل بالانتخابات والأحداث والصراعات، هو أن طريقها أصبح أكثر وعورة، وإصلاحها بات أكثر إلحاحاً.
والدرس الثالث يتعلق بمنظومة القواعد والقيم والأخلاقيات، وهي المنظومة التي حاول البعض احتكارها على مدار عقود، وتسويق توليفة بعينها باعتبارها المنظومة القيمية الوحيدة السامية الراقية التي يتحتم على الجميع اتباعها. وبين الازدواجية الصارخة في المعايير، وتقلبات السياسة والمصالح دون سابق إنذار، والتدخل في شؤون الدول ومصائر الشعوب دون خجل أو استئذان تكشفت حقائق وتعرت وجوه لا حصر لها أمام الجميع.
والدرس الرابع هو سقوط فكرة «الدولة النموذج». مجريات وأحداث سنوات ما 2011 تؤكد أنه لم يعد هناك مجال لتسوق أكذوبة أن دولة ما هي الدولة النموذج التي يجب أن تتبع، وكلما اقتدت دول العالم بها، فإنها ترتقي سلم المجد، والعكس صحيح. الدول كالأفراد، لكل خصوصيته وتركيبته واحتياجاته وأولوياته، ولا مجال للحديث عن دليل استرشادي أو وصفة سحرية لإدارة شؤون الدول والشعوب.
أما الدرس الخامس فهو ارتباط الاقتصاد والسياسة ارتباطاً لا مهرب منه. النظام السياسي الناجح يتخذ قرارات اقتصادية تعود بالنفع على القاعدة العريضة من الناس. وأصبح من الواضح بالعين المجردة أن نجاح الاقتصاد ينعكس على السياسة ويظهر في شكل رضا شعبي على الأداء السياسي، والعكس أيضاً صحيح.
الدروس الخمسة تصب جميعاً في خانة الواقعية التي حان وقت الاعتراف بها. التمسك بالخيال، وانتظار المعجزات، والاكتفاء بعقد المقارنات، وشماعة إلقاء اتهامات التخلف والتأخر على الآخرين، والإصرار على استنساخ «الدولة النموذج»، وفقدان الثقة في الهوية وفي المنظومة القيمية الخاصة، جميعها أعراض فقدان الصلة بالواقع.
الاتصال بالواقع - لمن أراد - يتطلب فهماً لا عناداً، ومرونة لا جموداً، وثقة في النفس لا اهتزازاً، وتحديد أولويات حقيقية لا التمسك بخيالات مهما بلغت من روعة وجمال.
عام 2025 سيكون حافلاً بالأحداث والحوادث المهمة عربياً. ولمَ لا، والعديد من حوادث 2024 ما زالت جراحاً مفتوحة وأبعد ما تكون عن الاندمال. الجميع يتحدث عن نظام عالمي جديد، وشرق أوسط جديد، ومنطقة عربية جديدة، لكن الأهم هو الاهتمام والتركيز والتخطيط للدولة العربية الحديثة. إنها الدولة الوطنية، ذات الجيش الوطني، والأولويات الوطنية المتصلة بمحيطها، والسياسات الوطنية المؤدية إلى اقتصاد وطني قوي، وجميعها يؤدي إلى منطقة عربية قوية واقعية لا خيالية.
التعليقات