علي القاسمي


انتهى مؤتمر الإرهاب في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة خارجاً بتوصيات متنوعة ظهرت طويلة ومنتقاة إلى حد معقول، وضاربة على أكثر من وتر، وقبل أن أدخل إلى طرح مرادف، أحيي الجامعة على المبادرة بالفكرة، وأحلم أن تمر التوصيات وتمرر على المؤسسات الحكومية والاجتماعية المتقاطعة لا أن يكتفى بنشرها، أو التوقف عندها مع آخر يوم من أيام المؤتمر.

الهدف من تمرير التوصيات والأفكار شمولية المشاركة لا الاكتفاء بالفرجة، فالإرهاب لا حلول له بأيدي أفراد إن كان المجتمع لم يستوعب الكارثة بعد، ويكتفي دائماً قبل محطات العلاج بالاستماع وكف اليد ورمي المسؤولية على المهتمين والمتألمين والمجروحين.

عنوان المؤتمر laquo;فكر التطرف وتطرف الفكرraquo; عنوان صارم يستوعبه الحاضرون والمهتمون بهذا الشأن على مستوى وسائل العلاج، لكنه يحتاج إلى من يشرحه لأولئك المغرر بهم أو المخدوعين بجمل رنانة وكرامات وبشارات يسكبها في الآذان من لم تهمه الفكرة الأساس، ولم تصل له حبة علاج واحدة، لأنه بعيد أو في الظلام. في حين أن العلاج والاهتمام والنصح والمتابعة والكشف يتحمل عناءها أفراد يحبطون من وجود ثقافات متصلبة متشنجة في المحيط الاجتماعي تتحرك بحرية لعدم استيعاب المعنيين الحقيقيين إلى هذه اللحظة لمكمن الخطر.

ولو كان لي فرصة أن اختار عنواناً لأي مؤتمر قادم عن الإرهاب لوضعته متواضعاً سهلاً على هيئة سؤال laquo;الإرهاب لماذا يختار الشبابraquo;؟ أكثر زبائن مستنقع الإرهاب هم الشباب، وحملة الشهادات الأولية في المستنقع السيء الذكر، ورواد الصفوف الأمامية فيه لا يزالون في مقتبل العمر، يتلقى الشاب منهم حجماً هائلاً من الخطابات المتواصلة تضرب على زوايا العاطفة في المقام الأول لأنها مذيبة قاتلة، ومن ثم يقاد الضحية كما تقاد الشاة بلا أدنى حركة للبوح أو الدفاع.

الجانب العاطفي جانب مهمل تماماً لدى الشباب، لا أملك تجاهه شخصياً حلولاً سريعة فعالة، لكن ذلك لا يمنع أن نُحضِرَ على الطاولة نفسها نصف المهتمين بقضية الإرهاب في مؤتمر المدينة، ونطلب مشاركتهم الفعالة في إيجاد الحلول للطريق المعبد المضاء لرسم الخطط والسير للهدف الضال: laquo;طريق العاطفةraquo;.

لا شيء يمنع أن نكون جديين أكثر كما كانت جدية جملة المطروح الابتدائية من وسائل معالجة الإرهاب تشير إلى التحذير من تآكل الطبقة الوسطى وتهميش الشباب اجتماعياً، وهي انطلاقة الخلل والخطأ، فالوصول إلى الهدف أحياناً يكون بتنظيم منتصف الملعب لا التجمع بعدد هائل في الربع الأخير منه! لم يذبح خط الدفاع ويمزقه إلا الفشل في تطبيق مصيدة التسلل، والفشل لا لضعف القلب والأطراف وإنما لفتح الملعب على مصراعيه من المنتصف، وهنا تصبح المقاومة عددياً وعقلياً منهكة.

أعود للمؤتمر وخطوطه العريضة مستثنياً منها جملاً معتادة لا تفيد كالرفض والأسف والإدانة، فنحن ننتظر الحلول فهي أقل كلفة من عملية إرهابية واحدة، ولو انطلقنا من الآن لشيئين: التركيز على الوسائل الأولية للمعالجة وهي: تآكل الطبقة الوسطى، البطالة، دعم المشاريع العشوائية، دراسة تهميش الشباب اجتماعياً، والتركيز على الأمر بالمعروف أولاً قبل النهي عن المنكر وفقاً للتسلسل المنطقي وحاجة الجيل الحقيقة.

أخاف ألا يتجاوز مفعول المؤتمر حد سحر الأحبار والأوراق، ولكن إن لم نذهب لوسائل العلاج ونتصادم معها وجهاً لوجه، فلا نستغرب أن يكون بين جيل اليوم من يصبح خلية مستيقظة في الغد.