هاني وفا
ليس بمستغرب أن يدلي أي مسؤول إسرائيلي بتصريح يخلو من أي منطق من الممكن الاقتناع به أو حتى الاقتراب من الاقتناع من فحواه، ذلك أن الإسرائيليين دائماً ما يتحدثون بطريقة تخدم مصالحهم حتى لو كانت منافية للحقائق على أرض الواقع.
لم آت هنا بجديد بقدر ما أحاول أن أربط فكرة عامة بحدث وقتي لإثبات قول مفروغ منه.
فعندما يتهم وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان المملكة بتحويل نشاطات جماعات متطرفة في البلقان حسب تصريحه للإذاعة الإسرائيلية فإن اتهامه يخلو من أي منطق يمكن القبول به ويندرج تحت المثل القائل: (حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له).
وليبرمان تحدث بحديث لا يعقل ولا أدري كيف اعتقد ان أحدا سيصدق ما يقول ليس فقط لأن ماضيه غير مشرف أبداً وسيرته الذاتية مصبوغة بالسواد ولكن أيضاً لأن ما يقول يخالف الواقع الذي يعرفه الجميع أن المملكة كانت من أوائل من تضرر من الإرهاب ومن أوائل من حذر منه ومن أوائل من تصدى له بكل شجاعة وحكمة واقتدار بحيث أصبحت مثلاً يحتذى في مكافحة آفة العصر الحديث، فهي لم تكافحه عناصرياً فقط بل تعدت ذلك إلى المواجهة الفكرية بتصحيح المفاهيم الخاطئة وإعادة من ضل الطريق بإعادته إلى الجادة بالحوار المبني على أسس فكرية معمقة.
وعندما يأتي ليبرمان ليلقي باتهاماته جزافاً دون أدلة تثبت صحة الاتهام فإن ذلك أقل ما يكون إسفافاً من شخص مسؤول في كيان يوهم العالم بديموقراطية مزيفة يداها ملطختان بالدم عبر تاريخه.
ولكن ما الذي دفع ليبرمان بالإدلاء بالتصريح المهزلة؟ الجواب بسيط جداً ولا يحتاج إلى تفكير طويل بقدر ما يحتاج ذاكرة قريبة لاستجلاء الأمور، ما دفع ليبرمان إلى تصريحه غير المسؤول هو التصريح المسؤول من المملكة حول عملية التهويد الممنهج للقدس الشريف وتوسيع المستوطنات فيه وتصاريح رئيس وزراء الاستيطان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول القدس وانها عاصمة الكيان الإسرائيلي مما يهدم كل جهد دولي أو حتى اقليمي لإعادة مفاوضات السلام إلى مسارها بعد أن ضلت الطريق رغم وجود خارطة له وذلك بسبب العراقيل الإسرائيلية التي لا نهاية لها والتي دائماً ما توضع من أجل التسويف ومحاولة إيجاد واقع على الأرض عند مفاوضات الوضع النهائي الذي لا يمكن تغييره.
ونعود إلى ليبرمان ذي الماضي الذي لا أدري كيف سمح له بالوصول إلى منصبه معتقداً أن تطرفه وعنصريته هما السببان الرئيسيان اللذان أوصلاه، وإلا كيف تسمح دولة أن يتفوه وزير خارجيتها بالترهات ويطلق سهامه المسمومة في كل اتجاه، هذا يعني أن هذه الدولة غير مسؤولة ومارقة لا تستحق المكانة التي حصلت عليها إلا بسبب ظروف إقليمية ودولية ساهمت في قيامها.
ولا أشك في أن ليبرمان ومن هم على شاكلته وراء الأزمة الدبلوماسية بين تل أبيب وواشنطن كونهم يعتقدون بتفوق عرقهم رغم أن رب العباد وصفهم في محكم كتابه العزيز (كتبت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله) ولكن هو الزمان الذي تنقلب فيه الموازين وتصبح الأمور عكس اتجاهها، وحتى يتغير الواقع يجب أن نتغير نحن كأمة عربية وإسلامية والمولى جل جلاله يقول في القرآن الكريم: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم.
التعليقات