حسن أبو طالب
ثمة حالة سيولة وتضارب شديدة يعيشها السودان قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والولائيةrlm;.rlm; تلك الحالة تضرب بشدة في شرعية الانتخابات نفسها من جانبrlm;,rlm; وفي شرعية مواقف بعض الأحزاب السياسية من جانب آخرrlm;.rlm; وإذا كان مفهوما أن أي حزب وأي مرشحrlm;,rlm; وقبل أيام قليلة من إجراء الانتخابات له الحق في الإنسحاب من السباق إن تبين له أن وضعه الانتخابي ليس جيداrlm;,rlm; أو أن كل المؤشرات تصب لصالح منافسيهrlm;,rlm; ومن قبيل الحرص علي الصورة لدي المواطنينrlm;,rlm; يصبح الإنسحاب أمرا طبيعيا ومحترما في آنrlm;.rlm; أما أن يكون الانسحاب تحت ذرائع عامة وبعضها يمكن تلافيه فيما تبقي من زمنrlm;,rlm; أو لحسابات غامضة تتعلق بمصير الوطن ككلrlm;,rlm; يصبح مثل هذا الانسحاب غير شريفrlm;,rlm; وبقدر ما يشكك في شرعية الانتخاباتrlm;,rlm; فإنه أيضا يشكك في شرعية ومصداقية هؤلاء المنسحبين أنفسهمrlm;.rlm;
فهذه الانتخابات السودانية التي تجري بعد توقف لمدةrlm;24rlm; عاما كان يجب أن تعامل بقدر أكبر من الجدية من قبل كل أطراف العملية السياسيةrlm;,rlm; فالانتخابات في حد ذاتها تلبي شرطا أساسيا في اتفاق السلام الخاص بالجنوبrlm;,rlm; كما تلبي مطلبا عاما من كل أبناء السودانrlm;,rlm; باعتبارها آلية تساعد علي تصحيح المسارات السياسية والاقتصاديةrlm;,rlm; وتفتح الباب أمام تحول ديمقراطيrlm;,rlm; كثيرا ما سعي إليه السودانيون جميعاrlm;,rlm; أيا كانت اتجاهاتهم السياسية أو انتماءاتهم الدينية أو العرقيةrlm;.rlm; ولذلك فالعبث في الانتخابات بالتهديد والتشكيك والانسحاب المفاجئ من جزء من اللعبةrlm;,rlm; والبقاء في جزء آخر منها يعد تلاعبا بمصير الوطن ككلrlm;,rlm; ويعكس أهدافا غير نبيلةrlm;.rlm; والصحيح هنا أن العملية الانتخابية تشوبها كثير من النواقص التي كانت تتطلب توحيد وتنسيق كافة الجهود من أجل معالجتهاrlm;,rlm; وليس من أجل استغلالها للانسحابrlm;,rlm; وزيادة التوتر السياسي في ربوع البلاد لهاrlm;.rlm; والمفارقة الأكبر هنا أن الولايات المتحدة تؤيد إجراء الانتخاباتrlm;,rlm; في موعدهاrlm;,rlm; بما في ذلك إجراؤها في دارفورrlm;,rlm; علي أن تجري خطوات لاصلاح ما يمكن إصلاحه بشأن ممارسات المفوضية الخاصة بالانتخابات وبحيث تستجيب لعدد من المطالب والمعايير التي تطالب بها أحزاب المعارضةrlm;,rlm; وما لا يمكن إصلاحه في الفترة الباقية يمكن معالجته عبر التعيينات في برلمانات الولايات لاحقاrlm;.rlm; ولعل الموقف الذي عبر عنه عدد من الأحزاب السياسية وهي حزب الأمةrlm;(rlm; قوميrlm;)rlm; والحزب الشيوعي والحزب الوحدوي الديمقراطي التي ربطت تراجعها عن الانسحاب الذي أعلنته سابقا بتحقيق عدد من الشروط يمثل نوعا من البراجماتية المطلوبة من أجل مزيد من الشفافية في العملية الانتخابيةrlm;,rlm; بل وإنقاذ العملية الانتخابية نفسهاrlm;,rlm; ومن بين الشروط المعلنة وقف الإجراءات الأمنية القمعيةrlm;',rlm; والحصول علي تغطية متوازنة لكل الأحزاب خلال الحملة الانتخابيةrlm;,rlm; وحصول الأحزاب السياسية علي تمويل حكوميrlm;,rlm; وتعهد بتمثيل منصف لمنطقة دارفورrlm;.rlm; أما الطلب الخاص بإرجاء الانتخابات حتي الأسبوع الاول من مايو فيبدو بلا معنيrlm;.rlm;
والناظر إلي ما يجري في السودان الآن يدرك تماما أنه قد حدث انقسام أفقي ورأسي في آن واحدrlm;,rlm; وهذا مما لا يساعد علي إجراء انتخابات شفافة ونزيهة قدر الإمكانrlm;.rlm; ولما كان موقف الحركة الشعبية بالانسحاب من السباق الرئاسي مفاجئا لكل القوي الحزبية المعارضة منها تحديداrlm;,rlm; دب الانقسام في أحزاب المعارضةrlm;,rlm; فمنهم من أيد استكمال السباقrlm;,rlm; والمشاركة فيه بكل مستوياتهrlm;,rlm; ومنهم أحزاب الاتحادي الديمقراطيrlm;,rlm; والمؤتمر الشعبيrlm;,rlm; والتحالف السودانيrlm;.rlm; ومنهم من أعلن موقفا مناهضا للانتخاباتrlm;,rlm; وانسحب منهاrlm;,rlm; ثم وضع شروطا للعودة إليهاrlm;.rlm;فيما يبرز قدر كبير من الالتباس لدي العديد من القوي السياسية السودانيةrlm;,rlm; فضلا عن عدم الاستعداد المبكر لهذا الاستحقاق السياسي والتاريخي بكل المقايسrlm;.rlm;
كانت الأحزاب المنسحبة قد تمسكت بمقولة أن الانتخابات إن أجريت الآن فسوف تأتي بالحكومة نفسها التي يرأسها ويديرها المؤتمر الوطني الحاكمrlm;,rlm; أي إضفاء شرعية جديدة علي حكومة ووجوه قديمةrlm;,rlm; ولما كان هؤلاء لا يريدون إضفاء أي شرعية علي المؤتمر الوطني يرون أن الانسحاب هنا سوف يساعد علي نزع هذه الشرعية حتي ولو اكتسح المؤتمر كل النتائج وفي كل المستوياتrlm;.rlm;
ويبقي هنا تفسير هذا الارتباك الذي تمارسه الحركة الشعبية في الشأن الانتخابيrlm;,rlm; والذي نري ملامحه في تعدد مستويات المشاركة والانسحاب في آن واحدrlm;,rlm; فالحركة سوف تشارك في الانتخابات البرلمانيةrlm;,rlm; وما يتعلق بحكومة الجنوبrlm;,rlm; يدفعها في ذلك ان الاستفتاء علي حق تقرير المصير مرهون أساسا بأن تتم هذه الانتخابات لتشكيل حكومة جديدة في الجنوبrlm;,rlm; وبالتالي يصبح حق إجراء الاستفتاء تلقائيا دون قيودrlm;.rlm; وقد أبقت الحركة مسألة المشاركة في انتخابات البرلمان القومي مسألة غامضةrlm;,rlm; وأعلنت انسحاب مرشحها من الانتخابات الرئاسية ياسر عرمان تحت زعم خضوع مفوضية الانتخابات للمؤتمر الوطني الحاكم ووجود ممارسات تشي بتزوير محتمل لصالح مرشح المؤتمر الوطني الذي هو الرئيس البشيرrlm;.rlm; كما انسحبت من الانتخابات في دارفور بحجة أن الاقليم ما زال يعيش أجواء الحرب وعدمrlm;,rlm; وكلاهما لا يصلح لاجراء انتخابات معقولةrlm;.rlm;
وهكذا تتعدد مواقف الحركة الشعبية ويتعدد معها التفسير والتحليلrlm;.rlm; وجزء من الارتباك في موقف الحركة يعود إلي كونها شريكا في الحكم وفقا لاتفاق السلام المعروف باتفاق نيفاشا للعامrlm;2005,rlm; ولكنها في الآن نفسه تمارس دورا معارضاrlm;,rlm; وتدخل في تحالفات مع أحزاب المعارضة التي يهمها أن تكسر شوكة المؤتمر الوطنيrlm;,rlm; وأن تنحيه عن الحكم أو علي الاقل أن تقلص فرص فوزه بحيث لا يخرج فائزا أول ومكتسحا للجميعrlm;.rlm; وحين تختلط الشراكة في الحكمrlm;,rlm; والمسئولية مع الدور المعارض والمناهض للحكومة محل الشراكة يصبح الالتباس مسألة مقصودة تخفي وراءها أهدافا خاصة للغاية قد لا يعرفها كل أعضاء الحركةrlm;,rlm; او حتي كل القياديين فيهاrlm;.rlm; فحين أعلن ياسر عرمان انسحابه من السباق الرئاسيrlm;,rlm; وأكد قادة الحركة المشاركة في الانتخابات الخاصة بالجنوبrlm;,rlm; بعدها تحدث عرمان عن استمراره في تحفيز زعماء المعارضة الذين فوجئوا بالقرار للانسحاب من الانتخابات والاصرار علي تأجيلهاrlm;.rlm; كما أكد عرمان نفسه انه خائف علي وحدة السودانrlm;,rlm; وأنه يتوقع الانفصالrlm;,rlm; ولكنه سوف يسعي مرة أخري إن حدث الانفصال إلي استعادة الوحدة بعد ذلكrlm;.rlm; وهو ما يمثل قمة التناقض في موقف الحركة الشعبيةrlm;,rlm; والتي يعتقد كثير من المراقبين أن عددا من القادة النافذين في الحركة لم يعودوا يهتمون الا بتحقيق انفصال مريح للجنوبrlm;,rlm; وبأقل التكاليف الممكنةrlm;.rlm;
بعض الأحاديث التي تثار في تفسير هذه المواقف المرتبكة للحركة الشعبية ذهبت إلي حد القول بوجود صفقات غامضة بين بعض قادة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الحاكمrlm;,rlm; بحيث ينسحب عرمان الذي تبين له عدم شعبيته في الشمال برغم انه ينكر ذلك تماماrlm;,rlm; ومن ثم يستحوذ الرئيس البشير علي منصب الرئاسة بارتياحrlm;,rlm; مقابل أن يتم تسهيل الاستفتاء علي تقرير مصير الجنوب في العام المقبل بما في ذلك الانفصال الودي دون تعقيداتrlm;.rlm; وهو تفسير ينتشر في الجنوبrlm;,rlm; كما يتردد في الشمالrlm;,rlm; ولكنه يبدو مفتقرا للمنطق المتماسك من أكثر من وجهrlm;,rlm; فعدد الجنوبيين في الشمال يصل إلي نحو خمسة ملايين نسمةrlm;,rlm; وجزء معتبر منهم تطلع إلي تأييد عرمان رئيساrlm;,rlm; الأمر الذي يدعم خيار الوحدةrlm;,rlm; والذي يبدو أنه خيار لم يعد مقبولا من قبل نافذين في الحركةrlm;.rlm; وفي الوقت نفسه فإن قبول الرئيس البشير الحصول علي الرئاسة دون منافسة حقيقية ليس في صالحه بالقطعrlm;,rlm; لأن هذا الفوز من شأنه أن يثير شكوكا في شرعية الانتخاباتrlm;,rlm; وفي شرعية المنصب الرئاسي لاحقاrlm;,rlm; وهو أمر سوف يثير بدوره إشكالية شرعية ما يتخذه من قرارات تتعلق بمصيرالجنوبrlm;,rlm; سواء جري الاستفتاء حول تقرير المصيرrlm;,rlm; أو لم يجرrlm;,rlm; وسواء جاءت النتيجة لصالح الانفصال أو لصالح الوحدةrlm;.rlm; ومجمل ما سبق يعني ان هذه التفسيرات حول صفقات غامضة لا تتمتع بمصداقيةrlm;,rlm; لأن جوهر الصفقة علي هذا النحو فيه ارتباك وافتقاد للتماسك وتأثيرات سلبية في كل الأحوالrlm;,rlm; أبرزها إتاحة مجال أوسع للتشكيك في شرعية الرئيسrlm;,rlm; وهو ما لا يرضاه الرئيس البشير أو حزبه الحاكمrlm;.rlm;
إن موقف الحزب الحاكمrlm;,rlm; وتلك الأحزاب التي أكدت مشاركتها في الانتخابات وفي موعدها المقررrlm;,rlm; وتلك التي طالبت بتحسينات في مجمل العملية هو موقف مقدر علي أي حالrlm;,rlm; فالوقت الآن هو لاتاحة فرصة حقيقية لمشاركة سياسيةrlm;,rlm; وعملية عابرة للولايات السودانية كلهاrlm;,rlm; تتيح بدورها التحرك خطوة أخري نحو سودان جديد وديمقراطي من شأنه أن يطرح نموذجا يلهم العرب والأفارقة في كل مكانrlm;.rlm; وإن اتخذ البعض موقفا مناهضا لهذه المهمة التاريخية الكبريrlm;,rlm; فالأوفق لهم أن يبحثوا عن بلد آخرrlm;,rlm; لا أن يفسدوا العملية لأسباب هامشية لا وزن لهاrlm;.rlm;
- آخر تحديث :
التعليقات