زين الشامي

أوقفت الأجهزة الأمنية السورية في الأشهر القليلة الماضية العديد من الطالبات الجامعيات والنساء السوريات على خلفية آرائهن ومعتقداتهن السياسية، وتم وضعهن بالسجون اسوة بالناشطين والمعارضين السياسيين دون أي تفريق، ودون أدنى مراعاة لخصوصية النساء والفتيات اللواتي ينتمين إلى مجتمع شرقي وإسلامي وعادات وتقاليد ومفاهيم ومعتقدات لا تنظر بعين الارتياح لدخول المرأة السجن نظراً للاوضاع المتردية في هذه السجون، ونظراً للسمعة السيئة للقائمين على هذه السجون.
آخر الاعتقالات التي رصدتها المنظمات الحقوقية كانت بحق الطالبة الجامعية آيات عصام أحمد على خلفية تقارير أمنية اتهمتها باعتناق laquo;الفكر السلفيraquo;، حيث قامت دورية من جهاز الأمن السياسي في دمشق في 18 اكتوبر الماضي باعتقالها. وحسب منظمة حقوقية سورية، قالت سيدة كانت معتقلة أيضاً في السجن نفسه ثم خرجت، ان laquo;آياتraquo; تعرضت laquo;لانهيار عصبي مرات عدة وتم نقلها إلى المستشفىraquo;.
وكانت منظمة laquo;هيومان رايتس ووتشraquo; أسفت في تقرير صادر في مارس لتصاعد القمع في سورية، مشيرة إلى جملة من الاستدعاءات والتوقيفات من بينها استدعاء الطالبة طل الملوحي التي تبلغ من العمر تسعة عشرة عاماً في ديسمبر لاستجوابها بناء على تقارير عن مقالات كتبتها ونشرتها على مدونتها، وقد حرمت هذه الطالبة من المشاركة في امتحان الشهادة الثانوية laquo;البكالورياraquo; بسبب اعتقالها.
ورغم أن الكثير من الشبان والشابات السوريين بادروا إلى فتح صفحة لها على موقع laquo;الفيس بوكraquo; للتضامن معها إلا أنه ومع كل أسف فقد صمتت الكثير من منظمات حقوق الانسان عما تعرضت له كل من الملوحي وآيات، كذلك صمت الإعلام العربي عن هذه الاعتقالات، وفضل التغني بالانتصارات التي يحققها النظام واستعادته لدوره في لبنان والمنطقة وانتصاره على محاولات الغرب لفرض العزلة عليه. للأسف قلما يعير الإعلام العربي أي اهتمام لقضايا الحريات والقمع داخل الدول العربية، ما عدا صحيفة هنا وقناة تلفزيونية هناك، وحتى هذه باتت نادرة جداً.
في هذا المجال لا بأس في ما لو ذكرنا بالناشطة د. فداء أكرم حوراني، ابنة أحد مؤسسي laquo;حزب البعثraquo; نفسه، ورئيسة المجلس الوطني لإعلان دمشق، وهي ما تزال معتقلة مع ثلاثة عشر شخصاً من قياديي إعلان دمشق منذ ديسمبر 2007. ان استمرار اعتقال السيدة الحوراني سيبقى وصمة عار لهذا النظام الذي لا يحترم أي مواثيق وأعراف إنسانية، وأي تقاليد أخلاقية في العمل السياسي، خصوصاً وأن السيدة الحوراني ابنة رجل لولاه لما كان أركان النظام في مكانهم اليوم، لا بل مجرد مواطنين عاديين في قرى بعيدة.
سجن النساء السوريات على خلفيات سياسية أو عقائدية ليس بجديد، فبسبب الأحكام العرفية وحالة الطوارئ التي تعيشها سورية منذ تسلم laquo;البعثraquo; زمام السلطة في البلاد منذ مارس 1963، قمعت كل الحركات السياسية ولم تكن المرأة السورية مستثناة من هذا القمع، وانتهى المطاف في بداية الثمانينات من القرن المنصرم بالعشرات منهن في غياهب سجون النظام، خصوصاً من أعضاء laquo;حزب العمل الشيوعيraquo;، وlaquo;حركة الإخوان المسلمينraquo;.
وبسبب قمع النظام للحركات السياسية والاحزاب المعارضة له كافة، فقد انتهى المطاف بأغلبية أعضاء تلك الأحزاب، والتنظيمات في السجون، أو المنفى خارج البلاد، وفي ما يخص النساء نذكر على سبيل المثال لا الحصر، حسيبة عبد الرحمن، ناهد بدوية، سميرة خليل، لينا المير، وأخريات، هنا لا ننسى أيضاً النساء الكرديات السوريات اللائي تعرضن للكثير من صنوف السجن والتنكيل الأسري، وكابدنا أوضاعاً قاسية بسبب مواقفهن ومشاركتهن في نشاطات سياسية.
صحيح أن هذه الاعتقالات تعتبر مؤشراً على الوعي والنضج السياسي لدى المرأة السورية، إلا أنه لابد من القول ان الأوضاع المتردية لحقوق الإنسان وقمع حرية التعبير، والتعامل الأمني وعدم الترخيص للأحزاب، والتنظيمات السياسية، وفعاليات المجتمع المدني؛ أدت إلى حسر نسبة النساء الناشطات في هذه المجالات، وكذلك تلقت الناشطات السياسيات دروساً قاسية من السجن، أدت إلى تحفظ الفتيات الشابات اليوم للانخراط في العمل السياسي، أو أي عمل مدني يثير حفيظة الأمن، وما أكثر ما يثير حفيظة الامن في بلد الممانعة والصمود والتصدي.