مهنا الحبيل

كما هو سيء أن تتوقع ما سيجري‮ ‬ثم‮ ‬يطبق على الأرض وذلك حين‮ ‬يكون سيناريو مدمراً‮ ‬لا‮ ‬يزال في‮ ‬صفحته الأولى،‮ ‬وكنت قد كتبت في‮ ‬السابع والعشرين من مارس المنصرم بعد تهديد المالكي‮ ‬إثر إعلان نتائج الانتخابات وتوارد الأنباء عن تخزين السلاح الذي‮ ‬بدأ في‮ ‬مناطق الولاء للتحالف القديم التابع لإيران وإن تفرق في‮ ‬كتل،‮ ‬لكن ذات الرابط والمفهوم والأيدلوجية هو من‮ ‬يجمعهم ويعيد دمجهم ونشر ذلك في‮ ‬مقال مطول بعنوان‮ ''‬العراق بين تهديد المالكي‮ ‬واستهداف الضاري‮''‬،‮ ‬والمقصود من العنوان واضح أن استهداف الاحتلال الأخير لهيئة علماء المسلمين جاء متزامناً‮ ‬مع ذلك السيناريو الذي‮ ‬يتقاطع فيه الاحتلال المزدوج لدورة جديدة من حرب طائفية تخلط الأوراق من جديد وتنزع لخلق أرضية لطرح التقسيم الذي‮ ‬أشار له المالكي‮ ‬في‮ ‬خطاب التهديد وما أشار له من تدهور أمني‮ ‬سيعود إذا استمرت النتائج‮.‬ ها هي‮ ‬عملية حي‮ ‬صيفي‮ ‬بجنوب بغداد تعود بكل تفاصيل الأحداث الكارثية المروعة التي‮ ‬نفذت فيها المجازر والتي‮ ‬أعطت كل الدلائل على أنها من داخل المؤسسة الأمنية،‮ ‬وبالذات تلك التشكيلات التابعة‮ ‬للتحالف الطائفي‮ ‬القديم وبنفس الطريقة،‮ ‬ونلاحظ أن المجزرة التي‮ ‬نفذت في‮ ‬مجموعة منهم أفراد سابقون من الصحوات وعائلاتهم التي‮ ‬تضم أطفالاً‮ ‬ونساء كانت عن طريق اقتيادهم بالسيارات إلى موقع آخر ثم إطلاق النار عليهم ورمي‮ ‬جثثهم،‮ ‬في‮ ‬إشارة مهمة لجانب التخويف وهو أسلوب لم‮ ‬يسجل مطلقاً‮ ‬على القاعدة،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن أنها منطقة سنية،‮ ‬إنما كان ذلك سائداً‮ ‬في‮ ‬أجواء الحرب الأمنية السرية التي‮ ‬اتهم بها صولاغ‮ ‬وهادي‮ ‬العامري‮ ‬والمليشيات الصدرية في‮ ‬حينها،‮ ‬ومعروف أن التفجيرات الآثمة التي‮ ‬تنسب إلى مجموعات القاعدة المخترقة أو المنتسبة كانت بعبوات أو انتحاريين في‮ ‬مناطق السنة والشيعة،‮ ‬فيما كان من الواضح والجلي‮ ‬أن هذه العملية رسالة متطابقة تماماً‮ ‬مع تهديدات المالكي‮.‬ المهم أيضاً‮ ‬حجم ما جسدته العملية من أن كل وسائل وبرنامج المليشيات الإرهابية التابعة للتآلف الطائفي‮ ‬الحاكم هي‮ ‬بذاتها لا تزال تعمل بنفس الأسلوب؛ سحب المفارز الرسمية المزعومة للأمن ومن ثم تنفيذ الجريمة البشعة مع ملاحظة مهمة للغاية وهو الطرف المستفيد كقوى إقليمية مهيمنة على الحالة العراقية تحتاج إلى جولة حرق جديدة للاستقرار في‮ ‬المنطقة حتى تصعد في‮ ‬التفاوض المعلق،‮ ‬وكذلك‮ ‬يسعى أتباعها إما لحكم مركزي‮ ‬مستقر أمنياً‮ ‬بيدهم لصالح إيران أو العودة التي‮ ‬ذكرها المالكي‮ ‬في‮ ‬خطاب الرد على النتائج إلى التقسيم‮.‬ هنا لا‮ ‬يمكن أن نفصل قلق واشنطن من تداعيات الأوضاع عليها عند الانسحاب النسبي‮ ‬وبالتالي‮ ‬العودة من جانبها أيضاً‮ ‬إلى خلط الأوراق واشتعال الحرب الطائفية وصولاً‮ ‬للتقسيم الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يمر إلا بعد حرب تحرق دماء العراقيين وأجسادهم من كل الطوائف،‮ ‬وعليه فلا حرج من أن تشجع هذه الهلوكوست الجديدة للتخطيط بالاشتراك أو بصراع الحرب الباردة مع إيران لرسم خريطة النفوذ الجديد في‮ ‬كل الخليج،‮ ‬لذا كان هذا التزامن الدقيق للهجوم على هيئة علماء المسلمين لعزل القوى الوطنية الصلبة الرافضة لاستباحة دماء المدنيين وعمقها الطائفي‮ ‬وهي‮ ‬الهيئة المؤهلة لتحويل انتصار المقاومة الإسلامية العراقية لمشروع إنقاذ وطني‮ ‬مع شركائها الوطنيين،‮ ‬ولأن واشنطن تعلم أن الهيئة مانع صلب لفقدان العراق توازنه دعمت الإيرانيين بهذه الحملة الجديدة،‮ ‬وليس ذلك مستغرب بل الغريب أن‮ ‬يقف الخليج العربي‮ ‬وكل القوى الرسمية والشعبية في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬متفرجاً‮ ‬على إزاحة جدار الصمود الأخير في‮ ‬وجه الإعصار الذي‮ ‬يزحف على خريطة المشرق العربي‮.. ‬لك الله‮ ‬يا عراق‮.