لمى فريد العثمان


عجباً من حكومة تدَّعي دفاعها عن حقوق المرأة ثم يأتي دفاعها متمثلاً في إدارة الفتوى والتشريع ليجتر حججاً ماضوية غير متفق عليها تحرم على المرأة تولِّي مناصب في القضاء. فقد استندت الفتوى إلى ما جاء في الدستور بأن دين الدولة الإسلام، و'بالتالي يجب أن تكون كل القوانين متلائمة ومنسجمة مع الشريعة الإسلامية لا تفتئت عليها'، مستدلة بذلك بالحديث 'لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة'، وهو أمر تم التطرق إليه بإسهاب في مقال 'ولاية المرأة'* حين أثيرت قضية عدم جواز التصويت للمرأة من باب أنها ولاية عامة.

بداية، إثارة القضية تحت حجة المادة الثانية من الدستور هي حجة غير كافية، ذلك أن معظم الأمور الفقهية هي أمور خلافية غير متفق عليها... والولاية العامة هي ضمن تلك القضايا التي اختلف عليها الفقهاء كالطبري وابن حزم، كما أن أبا حنيفة النعمان يقول 'علمنا هو رأي، فمن جاءنا بأفضل منه قبلناه'، وهو الذي رفض تأسيس الأحكام على الأحاديث التي تعتبر من 'أخبار الآحاد'... فقد فنَّد الشيخ محمد الأشقر مزاعم الولاية العامة بالحجج والبراهين*، بالإضافة إلى ذلك أجاز شيخ الأزهر المرحوم محمد سيد طنطاوي الولاية العامة، كما دعا التيار الإسلامي التنويري إلى استخدام العقل في التأويل والاجتهاد، معتمدين على الآية الصريحة الواضحة التي تناقض ما يذهب إليه الفريق المتشدد، وهي الآية الكريمة 'والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض'. فالمسألة إذن خلافية في اجتهاداتها البشرية المتعددة، لذا فهي ليست ملزمة وإسنادها إلى المادة الثانية من الدستور هو إسناد ضعيف.

بدأت الحكاية حين أقامت المواطنة الكويتية شروق الفيلكاوي دعوى قضائية ضد وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء على خلفية رفض قبول أوراقها لوظيفة وكيل نيابة تحت حجة اقتصارها على 'الذكور الكويتيين فقط'، وما استتبعه ذلك من تأسيس الحملة التضامنية لدعم حق المرأة في النيابة العامة والقضاء، التي أكدت منسقتها المحامية النشيطة العنود الهاجري أن أهدافها هي 'حصول المرأة الكويتية على حقها الدستوري في العمل بسلك النيابة العامة ومرفق القضاء من دون تمييز بسبب الجنس'... وهي ذات القصة التي حدثت منذ 60 عاماً في مصر حين رفض طلب الدكتورة عائشة راتب لتعيينها قاضية فطعنت في هذا الرفض، لتثير جدلاً واسعاً أدى إلى إصدار رئيس مجلس الدولة في ذلك الوقت الدكتور عبدالرزاق السنهوري حكماً يؤكد أنه لا مانع قانونياً أو شرعياً يحول دون تعيين المرأة في سلك القضاء، ولكن الأمر مرهون باعتبارات 'الملاءمة' التي تقدرها الإدارة. وهي ذات الحجة التي ساقتها الفتوى الكويتية في 2010 بأن 'لجهة الإدارة حرية تقدير ما إذا كان الوقت لم يحن بسبب بعض الاعتبارات الاجتماعية لأن تتولى المرأة القضاء'، وهو ما يثير علامات استفهام وتعجب كبيرة، فهل هي قضية جواز الولاية من عدمه، أم إنها قضية وقت لم يحن بعد وظروف غير مواتية؟؟'، وهل أغلبية الدول العربية والإسلامية التي تعين المرأة قاضية على ضلال ونحن الوحيدون على بيِّنة؟

لذا ندعو اليوم التيارات التي تدَّعي تمسكها بالدستور (رغم تصويتها على الكثير من القوانين غير الدستورية) إلى إحالة القضية إلى المحكمة الدستورية في حال رفضت في الجلسة المزمع عقدها في 14 أبريل الجاري لأسباب فنية محضة، كما حدث مع دعاوى قديمة كحقوق المرأة السياسية. فها هي المحكمة الدستورية العليا بمصر تجيز في 14-3-2010 تعيين المرأة قاضية مرة أخرى، بعد أن رفض قضاة مجلس الدولة مؤخراً قضية حسمت منذ 60 عاماً، وبعد أن وصل عدد القاضيات إلى أكثر من 40 قاضية... عجبي.