فهمي هويدي
لا أعرف لمن وجه المتحدث باسم وزارة الخارجية كلامه حين أعلن أمس الأول أن مصر أعربت عن laquo;قلقها البالغraquo;، إزاء قرار إسرائيل ترحيل 70 ألف فلسطيني من الضفة الغربية، ولا أعرف ما هو الصدى الذي توقعه المتحدث حين أطلق تصريحه، هل خطر بباله مثلا أن تسارع الحكومة الإسرائيلية إلى عقد اجتماع لبحث ما ينطوي عليه ذلك laquo;القلق البالغraquo;، من تهديد ومناقشة الإجراءات الواجب اتخاذها للتعامل مع تجليات ذلك القلق وخياراته المختلفة؟ وهل تصور أن ينزعج اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، ويسارع إلى التوجه بالرجاء إلى مصر لكي تهدئ من قلقها laquo;البالغraquo;، أو أن تتحرك الخارجية الأمريكية بسرعة لاحتواء الموقف، حفاظا على إدامة السلام في الشرق الأوسط؟ وهل تصور أن الرباعية الدولية سوف تدعو لاجتماع توفد على أثره مبعوثا إلى مصر لكي يناشدها ألا تذهب بعيدا في التعبير عن ذلك القلق؟ وهل خشي أي سياسي في الكرة الأرضية من أن laquo;تتهورraquo; مصر وتدعو إلى قمة عربية لاتخاذ موقف حازم من الجريمة الجديدة، التي أضافت بها إسرائيل فصلا جديدا في سجل جرائمها التي لم تتوقف بحق الشعب الفلسطيني؟
هذه الأسئلة ليست من قبيل الاستفهام، وأحسب أن كل قارئ يدرك ذلك جيدا- كما أنني لا أشك في أن أي طفل في العالم العربي على الأقل أصبح قادرا على أن يجيب عنها جميعا بالنفي، بعدما أصبح الوهن والعجز (هل أقول التخاذل؟) من السمات الأساسية لردود أفعالنا إزاء الجرائم الإسرائيلية. حتى أصبح غاية ما نملكه إما أن نعبر عن الأسف والقلق. وإما أن نناشد المجتمع الدولي أن يتدخل ويتحمل مسؤوليته القانونية والإنسانية إزاء ما تفعله إسرائيل. بكلام آخر فإن جهدنا أصبح مقصورا على مصمصة الشفاه والتعبير عن الأسف والتلويح بالإدانة، ثم مطالبة الآخرين بأن يقوموا بالواجب الذي تخلينا عن استحقاقاته.
إن ما قاله السفير حسام زكي المتحدث باسم الخارجية المصرية يتوقع من بلد مثل كوستاريكا أو بوركينا فاسو أو جزر القمر. لكنه يصبح صادما ومفجعا حين يصدر عن مصر. التي لم يبق لها من أوراق إلا الورقة الفلسطينية. حتى إن وزير خارجيتها لم يعد بمقدوره أن يستأسد على أحد في الكرة الأرضية بمثل استئساده على الفلسطينيين، الذين هدد بكسر رجل أي واحد منهم يعبر الحدود المصرية. ولم يستطع أن يتفوه بهذه العبارة بالنسبة للإسرائيليين.
سيقول واحد من المرتعشين، هل تريد من مصر أن تعلن الحرب على إسرائيل؟ وإجابتي عن السؤال أن ما أدعو إليه لا يتضمن أي إشارة أو إيحاء يستدعي خيار الحرب (الذي لم تتخل عنه إسرائيل وتستخدمه كل حين) وإنما الذي أتحدث عنه أمر أكثر تواضعا، ولا يتجاوز حدود التعبير عن موقف شريف يتسم بالنزاهة والمسؤولية، يوجه تحذيرا جادا إلى إسرائيل ولا يبعث إليها بما يثبت العجز والوهن، ويشجعها على المضي فيما عزمت عليه.
إن مصر بكل وزنها حين تكتفي بالتعبير عن laquo;القلق البالغraquo; إزاء طرد 70 ألف فلسطيني من الضفة، وهي جريمة بشعة بكل المقاييس، فكأنها تقول للإسرائيليين توكلوا على الله. وخلصونا من المشكلة بسرعة، حتى لا تحرجونا مع العرب الغاضبين والفلسطينيين الثائرين. ورغم أن ما قاله المتحدث باسم الخارجية المصرية كان معبرا في حقيقة الأمر عن موقف أغلب الحكومات العربية. التي لم تعد القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها، إلا أننا نخص مصر بالحديث باعتبارها الدولة العربية الأكبر. التي مازال مسؤولوها يتحدثون عن قيادة الأمة وريادتها. علما أن الوهن لم يسر في جسد الأمة إلا بعدما انكسرت مصر والتحقت بالمعسكر الآخر (الذي وصف بالاعتدال رفعا للحرج) منذ وقعت اتفاقيتها المشؤومة مع إسرائيل عام 1979.
تستطيع مصر إذا أرادت أن تحذر إسرائيل حقا وترد على قرارها وأن تكسر الحصار على غزة بفتح معبر رفح. وأن تعلق بعض الاتفاقيات المعقودة معها، وأن تستدعي سفيرها في تل أبيب، وأن تدعو إلى قمة عربية جامعة أو تطالب من خلال مجلس الجامعة العربية بوقف إجراءات الطرد والتهويد والاستيطان خلال فترة زمنية محددة، وإلا تم تفعيل المقاطعة وأوقف التطبيع أو سحبت المبادرة العربية. ولابد أن تكون هناك خيارات أخرى أمام الخبراء، يمكنهم طرحها على الطاولة في الرد على العربدة الإسرائيلية التي تجاوزت كل الحدود. أما أن نسكت عن اتخاذ أي موقف حازم ونكتفي بالإعراب عن القلق البالغ. فذلك يغدو هزلا في موقف الجد ونكتة سخيفة لا تليق بقائلها.
التعليقات