راجح الخوري
الى أي مدى يمكن باراك أوباما أن يمضي في التصرّف على قاعدة أن حل أزمة الشرق الأوسط يمثّل قضية أمن قومي بالنسبة الى الولايات المتحدة الأميركية؟
إنه السؤال المفصلي الذي سيحدد فعلاً النهايات التي ستؤول اليها مساعي الديبلوماسية الأميركية في المنطقةـ، كما سيحدد المدى الذي ستبلغه عملية العضّ على الأصابع بين الرئيس الأميركي وبنيامين نتنياهو، لكن كل هذا يدفع الى طرح سؤال ساخن:
هل يتجاوز نتنياهو وزمرته مأزق المواجهة المحتدمة مع واشنطن بافتعال أمر واقع جديد، عبر شنّ حرب عدوانية تستهدف لبنان وقد تتسع لتصل الى سوريا؟
بدا هذا السؤال مشروعاً لا بل ملحاً في الأيام الأخيرة، بعد عملية ترويج إسرائيلية واسعة تقول إن سوريا تقوم بتهريب صواريخ سكود الى quot;حزب اللهquot;، بعدما كانت قد درّبت عناصره على استعمال هذا السلاح.
لم يتوقف العدو عند هذه الحدود، فقبل ثلاثة أيام وزّع خبراً مع صور متلفزة مفاده ان عملية إسرائيلية جوية كانت على وشك الانطلاق ضد هذه الصواريخ، لكنها أُوقفت في اللحظة الاخيرة بتدخل أميركي بعدما كان الطيّارون قد صعدوا الى مقاتلاتهم !
طبعاً الجانب الكاريكاتوري في هذا الخبر يتمثل في بث صور صعود الطيارين الى المقاتلات، لكأننا أمام أحد أفلام هوليوود.
❐ ❐ ❐
في أي حال، لا يجوز التعامل مع احتمالات قيام اسرائيل بمثل هذا العدوان إلا بكثير من الحذّر والجدية والاستعداد، فما يدور الآن وراء أبواب مغلقة في واشنطن وتل أبيب قد يدفع مقاولي الحروب في إسرائيل الى قلب الطاولة عبر إشعال حرب يتم ترويج مبرراتها الآن من خلال الحديث عن خرق القرار 1701 ومواصلة شحن الصواريخ الى quot;حزب اللهquot; وبينها سكود الذي يوسع نطاق التهديد ضد اسرائيل.
رغم ان سوريا رأت ان هذه الاتهامات سخيفة، فإنها عبر بيان من وزارة الخارجية رأت ان إسرائيل تمضي في هذه الاتهامات لتزيد توتير الأجواء في المنطقة بما يخلق مناخاً يهيئ لعدوان محتمل، وذلك للتهرّب من متطلبات السلام.
وبغض النظر عن الاتهامات التي وجهها شمعون بيريس وماتان فلنائي الى دمشق، والتي تبعتها تهديدات من تساحي هنغبي، فإن المقاربة الأميركية لهذه المسألة قد تضاعف من نسبة التهوّر الاسرائيلي للقيام بعدوان جديد. فقد أعلن البيت الأبيض قبل أيام ان واشنطن تشعر بقلق متزايد حيال احتمال تزويد سوريا quot;حزب اللهquot; صواريخ سكود، وإنها أبلغت الحكومتين السورية واللبنانية قلقها ودعت الى اتخاذ خطوات للحد من أي تهديد أو خطر.
❐ ❐ ❐
هنا يمكن المراقب أن يسلك مقاربة أقرب وأوضح وأجدى من ذلك الإعراب عن القلق الأميركي من هذه المسألة. فإذا كان حل أزمة المنطقة بات يمثّل فعلاً في نظر الإدارة الأميركية quot;قضية أمن قوميquot;، وان quot;صراع الشرق الأوسط يكلفنا الكثير من دمائنا وثرواتناquot; كما يقول أوباما، فإن في وسع الإدارة الأميركية، إذا أرادت فعلاً، أن تحسم الأمور بطريقة تخدم التسوية السلمية العادلة التي طالما دعت إليها الشرعية الدولية، وتضمن مصالح الأمن القومي الأميركي، وتوفّر له البيئة الملائمة والصديقة في المجتمعات العربية والاسلامية، نزولاً عند جوهر شهادة ديفيد بترايوس أمام الكونغرس قبل أسابيع.
وإذا صحّ أن أوباما أبلغ نده الفرنسي نيكولا ساركوزي انه سيواصل الضغط على الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني للتوصل الى اتفاق لانهاء الصراع، وانه يعرف تماماً انه سيواجه حملات ضده في داخل أميركا وقد يضطر الى دفع ثمن سياسي، فإن ذلك يعني انه لم يستقل فعلاً من أزمة الشرق الأوسط، لكنه منهمك في quot;حربينquot; لكسب التسوية، quot;حربquot; ضد الأوساط الصهيونية في الداخل الأميركي وحرب ضد تعنّت نتنياهو.
ويبقى السؤال الأبدي: ولكن ماذا يفعل العرب غير الفرجة وانتظار الفرج، وفي وسعهم على الأقل نشر بيانات التأييد لسياسة أوباما في الصحف الأميركية لمواجهة بيانات الإساءة واللوم التي ينشرها الصهيوني رونالد لاودر، صاحب مستحضرات quot;آستي لاودرquot;، ضد الرئيس الأميركي !
التعليقات