صالح عبدالرحمن المانع


عقد في الأسبوع الماضي في واشنطن ما سمي بالقمة النووية التي شاركت فيها قرابة 47 دولة، ممثلة في بعض الأحيان برؤساء الدول، وكان من أبرز المشاركين فيها الرئيس الصيني (هوجينتاو). وقد هدفت هذه القمة إلى التحضير للمؤتمر الذي سيعقد خلال الشهر القادم في نيويورك لمراجعة معاهدة الحد من التسلح النووي، وهي مراجعة تتم كل خمس سنوات.
كما هدف الرئيس الأمريكي أوباما من هذه القمة أن يسعى لإقناع الشعب الأمريكي والمشرعين الأمريكيين في الكونجرس بأهمية المصادقة على معاهدة (ستارت2)، التي وقعتها كل من الولايات المتحدة وروسيا في براغ قبل عشرة أيام. ويحتاج أوباما إلى موافقة 67 صوتاً في مجلس الشيوخ كي يتم التصديق على هذه المعاهدة. كما نجح أوباما في حمل المشاركين في هذه القمة على قبول مقترحاته بالحد من خطر امتلاك الإرهابيين لأسلحة أو قنابل نووية صغيرة يمكن أن تستخدم ضد أهداف مدنية. وكان الهاجس الإيراني يلمح خلف تصريحات المسؤولين الأمريكيين، فهم قد استخدموا هذا المؤتمر للضغط على القوى الست الكبرى كي تتوافق على بنود جديدة لفرض عقوبات ذات أسنان ضد الحكومة الإيرانية.
وكان أوباما قد أعلن قبيل أسبوع من عقد المؤتمر عن عقيدة نووية جديدة تمتنع بموجبها الولايات المتحدة عن التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي لا تمتلك مثل هذه الأسلحة. وتختلف عقيدة (أوباما) النووية الجديدة عن عقيدة سلفه بوش، الذي كان مستعداً لاستخدام مثل هذه الأسلحة ضد أعدائها المحتملين، حتى لو لم يملكوا مثل هذه الأسلحة.
أوباما في عقيدته الجديدة استثنى كلا من إيران وكوريا الشمالية من مثل هذا الامتناع، وهو ما اعتبرته إيران تهديداً أمريكياً مباشراً لها، وحفلت الصحف الإيرانية خلال الأسبوع الماضي بتصريحات تستنكر مثل هذه العقيدة، وتعتبرها عدائية ضدها.
إيران بدورها تقدمت بشكوى إلى الأمم المتحدة تدعي فيها أن التهديد الأمريكي لها يمثل خرقاً لمعاهدة الحد من التسلح النووي، وبالتالي عمل يجب إدانته من المجتمع الدولي، ومن قبل مجلس الأمن.
أوباما من خلال ضغوطه على كل من روسيا والصين نجح في حمل روسيا على الامتناع عن الاتجار مع إيران وتزويدها بالبنزين الذي كانت تصدره لها بعض الشركات الروسية مثل (لوك أويل) عبر مرفأ بندر عباس.
أما الصين فإنها وإن شاركت في مناقشات أعضاء مجلس الأمن بشأن العقوبات ضد إيران، فهي تحاول أن تدير سياسة غامضة بشأن العقوبات.
فالصين تعتمد على ثلث وارداتها النفطية من إيران، بعد المورد الرئيسي للنفط لها وهي السعودية غير أن العقود الضخمة التي أبرمتها الشركات الصينية في حقول النفط والغاز الإيرانية، وبعضها متداخل مع حقول الغاز القطرية، يعطي الشركات الصينية ميزة مهمة أمام الشركات الأوروبية، خاصة شركة توتال التي انسحبت من امتيازات بعض هذه الحقول. وهكذا فإن الصين لن تفرط في امتيازات النفط والغاز الإيرانية، والاستثمارات الضخمة التي يتوقع أن تستثمرها في هذه الحقول.
ومع ذلك، فإن الشركات الصينية ستجد نفسها في موقع حرج خاصة إذا ما نجحت العقوبات التي سيفرضها الكونجرس الأمريكي ضد الأطراف أو الشركات الثالثة مثل الشركات الصينية إن هي استمرت في استثماراتها وتجارتها مع إيران.
من ناحية ثانية، فإن حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين يعد ضخماً بكل المقاييس، كما أن استثمارات الصين في سندات الحكومة الأمريكية قد وصل إلى أكثر من تريليون دولار. وهذا يعني أن الضغوط الأمريكية عليها ستجد صداها في بكين.
اللعبة الثلاثية هذه، انحصرت بعد أن كانت ذات أطراف أربعة، وبالرغم من اعتراف الرئيس أوباما نفسه بأن العقوبات الاقتصادية لن تفرض سياسة معينة على إدارة الرئيس أحمدي نجاد، إلا أن وجودها سيجعل من الصعب على الحكومة الإيرانية تحمل مثل هذه الصعوبات خاصة إذا ما كانت متعددة الأطراف، ولفترة طويلة.
والشعب الإيراني لا يحتاج إلى القنبلة النووية، ولا هوس العظمة الذي تدفعها له قيادته، بل هو بحاجة إلى تجارة وتعايش سلمي مع دول الجوار أولا، وبقية الدول الأخرى حتى يتمكن من تأمين وظائف لأبنائه، وتحقيق ازدهار اقتصادي يحق له أن يتمتع به.
والسياسات النووية الإيرانية ستدفع الكثير في دول الجوار إلى التفكير ملياً في الخيارات المتاحة لهم. فهم يسعون إلى نزع أسلحة الدمار الشامل من منطقتهم بأسرها. وإذا ما حصلت إيران على السلاح النووي وطورت قنبلتها النووية، فإن دول المنطقة ستضطر إلى الحصول على ضمانات دولية بالحماية من أي تهديدات نووية ضدها، أو يمكنها اللجوء إلى الخيار الأوروبي والتركي الذي سبق تطبيقه إبان فترة الحرب الباردة.
ويبدو أن منطقة الخليج تقبع اليوم في مفترق طرق، فهي إما تنزع جميع الأسلحة من أراضيها، بما في ذلك الأراضي الإيرانية وإما أن تدخل مع إيران في سباق تسلح مكلف ومرهق لكل الأطراف المعنية.
ومثلما حاول صدام حسين من قبل دفع بلاده والمنطقة إلى حافة الهاوية، فإن السياسات الحالية للحكومة الإيرانية تعيد نفس السيناريو، وهو ما يسبب مشاكل الجميع في غير حاجة لها.
العدو الحقيقي هو العدو الإسرائيلي في المنطقة ويمكن أن تلعب الدول العربية ودول الجوار في تركيا وإيران دوراً في ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية على الكيان الإسرائيلي الذي يهود القدس ويشرد الفلسطينيين من أراضيهم.
والقوة الاقتصادية والسياسية والمعنوية، والتسلح التقليدي يمكن أن يضعا حداً للسياسات الإسرائيلية المتغطرسة في المنطقة. أما السلاح النووي فهو سلاح لا يمكن استخدامه، وبالتالي فإن قيمته الحقيقية هي في الضغط على الأعداء والهيمنة على الأصدقاء. وكما أننا نرفض الهيمنة والغطرسة الإسرائيلية، فإننا نرفض أي هيمنة من أي قوة أخرى على مقادير المنطقة ومستقبلها.