محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

(العراق ليس ملكا لأحد، ولا لجهة أو طائفة، إنما هو ملك للعراقيين جميعا) بهذه العبارة التي تحمل البشائر، وتتجاوز فسيفساء الانتماءات المذهبية والإثنية العراقية أطلق إياد علاوي حملته لجمع كل العراقيين في حكومة وحدة وطنية بعيدة عن المذهب والطائفة، ترفع شعاراً يقول (العراق أولاً). أن تفوز كتلة إياد علاوي بالمركز الأول، حتى وإن كان بفارق ضئيل عن الكتلة التي حلت في المركز الثاني، فإن هذا الفوز يفصح عن أن العراق بدأ يتعافى، ويخرج من الشرنقة الطائفية، والارتباطات الخارجية، وبالذات الفئات المرتبطة بإيران، ليعود إلى تاريخه وجذوره، ومصالحه لا مصالح من هم خارج حدوده، ويوظفون منهم داخل الحدود لخدمة مصالحهم متذرعين بنصرة الطائفة.

أدرك كثير من العراقيين على ما يبدو أن ارتباط العراق بإيران يعني أن مجازفات الإيرانيين، و مغامراتهم، واندفاعهم نحو المجهول، ستجر العراق - أيضاً - إلى ذات النهاية الكارثية المتوقعة للنظام الإيراني؛ كما أن العراقيين رأوا كيف أن ممارسات النظام الإيراني ورهاناته أحدثت (تشرذماً) إيرانياً داخلياً يزداد ويتفاقم مع مرور الوقت، وإيران -كما تقول المؤشرات - تتجه الآن بخطوات حثيثة إلى نظام عسكري شبيه إلى درجة كبيرة بنظام صدام حسين و(المؤسسة العسكرية) التي يعرف العراقيون جيداً ويلاتها وما يؤول إليه تسلطها من نهايات كارثية. ولعل فوز إياد علاوي يؤكد بالأرقام هذا الوعي، ويشير إلى أن عملاء إيران في العراق بدؤوا يفقدون بالفعل نفوذهم، وأن اللعبة الطائفية، أو بلغة أدق (الخوف الطائفي) لم يعد جسراً يمر من خلاله هؤلاء العملاء لإحكام قبضتهم على القرار العراقي وتوجيهه بما يخدم إيران، ومصالحها في المنطقة.

أمام إياد علاوي كثير من التحديات لتأليف حكومة وحدة وطنية (مدنية)؛ فالمرور إلى إنجاح أي حكومة ائتلافية يمسك هو بزمام الأمور فيها يحتاج إلى بعض التنازلات هنا وهناك، فالسياسة، وبالذات في المجتمعات الديمقراطية، هي فن الممكن، وكيف تدير اللعبة وتقدم التنازلات بذكاء وحصافة، غير أن المهم بالنسبة لنا، وكذلك لدول الجوار العربي أن التشرذم الطائفي بدأ يتراجع، فلم يعد له في الانتخابات الأخيرة ذات الحضور الذي كان له في الانتخابات السابقة، وكلما خبا وهَج التشرذم الطائفي خبت بالضرورة قوة إيران، وضعفت أدوات عملائها في الداخل العراقي وقدرتهم على المناورة السياسية.

غير أن التحدي الحقيقي والصعب هو ما بعد تشكيل الحكومة، أياً كان المشاركون فيها؛ فالإنسان العراقي الذي أتى بعلاوي إلى صناعة القرار ينتظر منه ما عجز سلفه من تحقيقه : الأمن، والبنية الخدماتية وبالذات الكهرباء، وامتصاص البطالة المتفاقمة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، واجتثاث الفساد والإثراء غير المشروع الذي استشرى إلى درجة كبيرة في حكومة المالكي.لقد حاول المالكي من خلال لعبة (اجتثاث البعث) إلغاء كل منافسيه المحتملين، وبقي علاوي الوحيد الذي لم تطله يد الاجتثاث، فراهن عليه العراقيون، وحصد من الأصوات ما جعل جهود و (مؤامرات) المالكي للإطباق على القرار العراقي تذهب أدراج الرياح. لقد اجتاز علاوي كل العقبات، وأفسد كل مشاريع خصومه، وراهن على عراق (واحد متحد) بلا طوائف ولا مذاهب ولا إثنيات، وفاز. ولكن بقاؤه، وتغييب (الطائفيين) والعملاء عن المشهد العراقي الداخلي يرتبط ارتباطاً كاملاً بقدرته على مواكبة وتحقيق أمل الإنسان العراقي الذي لا تهمه - على ما يبدو - (الطائفة)، بقدر ما يهمه - أولاً - الأمن و الخدمات الحياتية، وتحسين أوضاعه الاقتصادية. إلى اللقاء.