ممدوح إسماعيل


فكرة الترشح لرئاسة الجمهورية فكرة رائجة في مصر الآن، فما أن أعلن الدكتور البرادعي رغبته للترشيح لرئاسة الجمهورية وهو في فيينا حتى ثارت عاصفة من الجدل وتحرك الماء الراكد في الحياة السياسية المصرية، وكثر الحديث الإعلامي عن التغيير، واضطرت الأحزاب المصرية الغارقة في الصمت إلى التكلم سواء بالقبول أو بالرفض.
ومن اللافت أن الحديث عن التغيير الذي يدعو إليه البرادعي ليس فيه جديد، وقد سبقه إلى ذلك الكثيرون من المهتمين بالشأن العام، سواء من الإسلاميين أو قوى المعارضة الوطنية، وأيضاً الترشح للرئاسة سبقه في ذلك أيمن نور بجهد عملي في انتخابات الرئاسة السابقة، ورغم سجنه في قضية تزوير لكنه خرج مُصرا على الترشح للرئاسة رغم كل المعوقات والاشاعات، وأعلن أيضاً حمدين الصباحي laquo;الناصريraquo; رغبته في الترشح للرئاسة.
لكن اللافت أن الرغبة في الترشح لرئاسة الجمهورية لم تعلن مطلقاً من جانب أي شخصية من الإسلاميين، رغم أنه حق دستوري، وذلك يضع علامات استفهام كثيرة؟
السبب الأول: يقول إن الإسلاميين ليس لهم حزب كي يعلنوا من خلاله عن ترشيح أحد قياداته، كما ينص الدستور، وليس لهم أغلبية برلمانية.
لكن البعض يقول رغم ذلك... ما الذي يمنع الإسلاميين وعلى رأسهم laquo;جماعة الإخوانraquo; (المحظورة في مصر) من مجرد إعلان الأستاذ الدكتور محمد بديع مرشد laquo;جماعة الإخوانraquo; مرشحاً للرئاسة مثلاً، كما أعلن غيرهم وهم لا يملكون لا حزباً ولا نصاباً دستورياً؟
البعض يقول ان تصنيف الجماعة المتعمد بأنها خارج القانون، واعتبارها جماعة محظورة، جعلهم يعيشون مسلسل قهر ليل نهار، بخلاف دوامة تنقلهم بين السجون والمعتقلات والنيابات والمحاكمات.
وآخرون يقولون ان مجرد الفكرة والنية محظورة على الإسلاميين بصفتهم طائفة مقهورة، وقد سبق أن ذاق عصام العريان السجن بسبب فكرة قناة laquo;الجزيرةraquo; بترشيحه للرئاسة.
والبعض يذهب بعيداً ويقول ان معرفتهم وإدراكهم لصعوبة التغيير في نظام حكم مصر، الذي لم يأت بحاكم منتخب منذ اختيار قوى الشعب لمحمد علي، الذي شكرهم بطردهم ونفيهم جزاء صنيعهم الديموقراطي، وأعلن إلغاء انتخاب الحاكم عملياً!
والبعض يقول بمقولة مصطفى الفقي غير المقبولة ولا المعقولة laquo;ان من يحكم مصر لابد أن يمر ترشحه عبر موافقة اليهود والأميركانraquo;، وذلك بالطبع مستحيل للإسلاميين.
الحقيقة... ان التساؤلات كثيرة، ويزيدها تعقيداً أن الكل يعلم أن الإسلاميين عامة وlaquo;الإخوانraquo; خاصة، هم القوى الفاعلة النشيطة في الشارع المصري، وهم الأكثر التصاقاً بالجماهير وخطابهم الأقرب للجماهير. وطالما أن كل من هب ودب يعلن ترشيح نفسه فالأولى هم laquo;الإخوانraquo; وذلك من واقع الإحصائيات، فقد حصلوا على 88 مقعداً في البرلمان المصري، وكانوا أقرب لمئة وخمسين، ولم يحصل غيرهم من التيارات على أي نسبة مقاربة لعُشر نسبتهم، وهم متواجدون بقوة في النقابات وكل مجالات العمل العام.
والأستاذ محمد بديع أعتقد أنه أفضل من البرادعي، فهو وطني مخلص وعاش حياته في نضال، وعاش على الفول والطعمية فإذاً لن ينسى الغلابة... الأغلبية الكادحة. ومجرد فكرة الترشح خطوة مهمة لدمج الإسلاميين في العمل العام السلمي بعيداً عن جنون العنف ومنهج التغيير بالقوة الذي يعبر عن يأس.
ولا يفوتني أن أذكر أن ذلك لن يحدث عملياً، وlaquo;الإخوانraquo; أعلنوا بوضوح عدم رغبتهم في الترشيح مطلقاً لرئاسة الجمهورية، وموقفهم حتى الآن بالنسبة للمرشحين للرئاسة غير واضح كعادتهم.
ويبقى أن مصر دولة مؤسسات مركزية وهي التي تحكم وتحرك التغيير في مصر، وذلك واقع ملموس، والتغيير الوحيد الذي حدث بعد تولي محمد علي وأسرته حكم مصر جاء عن طريق أقوى مؤسسة وهي الجيش، وظل الموقف جامداً حتى أن التحول من النظام الاشتراكي إلى الرأسمالي جاء عبر مؤسسات الدولة.
لكن من المهم أن بقاء الماء راكداً ينتج عنه بعد فترة رائحة كريهة، والتغيير مهم للتجديد وللإصلاح وللقضاء على الفساد والروائح الكريهة. ومصر عامرة بالكثير من الشرفاء والكفاءات الذين يصلحون للقيادة غير البرادعي، والإرهاصات تدفع إلى توقع في الفترة المقبلة حركة تغيير مهمة ومؤثرة على الحياة والتاريخ المصري.
وأخيراً هذا المقال مجرد فكرة ومجرد رأي laquo;لا راح ولا جهraquo; حتى لا يقتنع أحد النمامين بمقالي ويكتب تقريراً يحرمني فيه من ضوء الشمس لمجرد كلمتين وفكرة.