ابراهيم حميدي
ليست المرة الأولى التي يقرع فيها مسؤولون اسرائيليون laquo;طبول الحربraquo; في منطقة الشرق الاوسط خلال الفترة الاخيرة. لكن يستخدمون هذه المرة وسائل مختلفة تتعلق بمزاعم ايصال سورية صواريخ laquo;سكودraquo; الى laquo;حزب اللهraquo; سرعان ما تبناها laquo;محافظون جددraquo; ومسؤولون أميركيون ووسائل إعلام محسوبة على اللوبي الاسرائيلي للتحذير من laquo;تغيير قواعد اللعبةraquo; في الشرق الاوسط.
اندلعت laquo;حرب الكلماتraquo; السابقة في شباط (فبراير) الماضي. الذريعة كانت غياب السلام. وبدأت بتحذير وزير الدفاع ايهود باراك في لقاء مع قادة عسكريين من laquo;حرب شاملةraquo; بين سورية وإسرائيل، قائلاً: laquo;في ظل غياب اتفاق (سلام) مع سورية، نحن معرضون للدخول في مواجهة عسكرية قد يتسع نطاقها لتتحول الى حرب اقليميةraquo;. ثم ركب رئيس الاركان غابي اشكنازي ركبه لدى حضوره تمريناً عسكرياً. وقال ان laquo;الهدوء السائد على الحدود عموماً، الشمالية والجنوبية منها خصوصاً، هش جداًraquo;، لافتاً الى laquo;احتمال ان نشهد تدهوراً في الاوضاع خلال فترة خدمتكمraquo;.
ردت دمشق في شكل فوري وحازم على هذه التهديدات الكلامية الاسرائيلية. اذ أفاد الناطق الرئاسي ان الرئيس بشار الأسد اكد خلال لقائه وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس ان اسرائيل laquo;غير جادة في تحقيق السلام لأن كل الوقائع تشير إلى أن إسرائيل تدفع المنطقة باتجاه الحرب وليس باتجاه السلامraquo;. كما دعا وزير الخارجية وليد المعلم الاسرائيليين الى laquo;الكف عن التهديداتraquo; ولعب دور laquo;الزعرانraquo; في المنطقة. وقال: laquo;على إسرائيل عدم اختبار عزم سورية. تعلم أن الحرب ستنتقل الى المدن الإسرائيليةraquo;، مضيفاً: laquo;من دون شك إذا افترضنا أن مثل هذه الحرب اندلعت، ويجب ألا نستبعد كل الاحتمالات من كيان يقوم أساساً على العدوان، ستكون الحرب شاملة سواء أصابت جنوب لبنان أو سورية، واستبعد أن يشهد جيلنا بعدها محادثات السلامraquo;.
وفي منتصف شباط (فبراير)، اكد الامين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصر الله في إحياء يوم الشهداء على معادلة laquo;توازن الرعبraquo;. وقال للأسرائيليين:raquo;اذا ضربتم مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي في بيروت سنضرب مطار بن غوريون. اذا ضربتم موانئنا سنقصف موانئكم واذا ضربتم مصافي النفط سنقصف مصافي النفط عندكم واذا قصفتم مصانعنا سنقصف مصانعكم واذا قصفتم محطات الكهرباء عندنا سنقصف الكهرباء عندكمraquo;. وكان السيد نصر الله هدد في السنة الماضية بمهاجمة تل أبيب اذا قصفت اسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت. لكنه قال هذه المرة: laquo;انتم تدمرون بناء في الضاحية ونحن ندمر ابنية في تل أبيبraquo;. وعقدت في دمشق في نهاية شباط، قمة سورية - ايرانية بين الرئيسين الاسد ومحمود أحمدي نجاد. كما شارك الامين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; في مأدبة عشاء اقامها الاسد على شرف نظيره الايراني.
ساهمت هذه العوامل في ردع اسرائيل ودفعها الى التوقف عن laquo;الحرب الكلاميةraquo;. اذ بعث رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تعميماً الى وزرائه بالكف عن الادلاء بتصريحات لها علاقة بالحرب في المنطقة. وقال ان حكومته laquo;تسعى الى السلام وليس الحربraquo;. كما اكد خلال زيارة الى موسكو في نهاية شباط : laquo;اننا لا نخطط لأي حربraquo;.
لكن الايام الاخيرة شهدت تجديد الكلام عن الحرب. وبدأت بتسريبات صحافية عن تهريب أسلحة الى laquo;حزب اللهraquo;. وتحدث الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز في مقابلة صحافية عشية زيارته الى باريس في منتصف نيسان (ابريل) عن تزويد سورية laquo;حزب اللهraquo; بالصواريخ، قائلاً: على السوريين أن يكونوا واضحين: هل يريدون السلام أم دعم حزب الله. وكما كتبت صحف اسرائيلية عن انواع مختلفة من الاسلحة. وكان لافتاً ان صحيفة كويتية انضمت الى الحملة بالحديث عن نقل صواريخ laquo;سكودraquo; الى الحزب مع تسريبات عن استدعاء الخارجية الاميركية السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى للاحتجاج، في وقت لم يحسم الناطق باسم الخارجية وصول الصواريخ الى laquo;حزب اللهraquo; وتحدث عن ldquo;احتمالrdquo; غير مؤكد.
في المقابل، نفت الحكومة السورية على لسان laquo;مصدر مسؤولraquo; في الخارجية الاتهامات الاسرائيلية. وقالت: laquo;هذه المزاعم تهدف إلى المزيد من توتير الأجواء في المنطقة وتهيئة المناخ لعدوان إسرائيلي محتمل للتهرب من تلبية متطلبات السلام العادل والشاملraquo;. كما أفاد الناطق باسم السفارة السورية في واشنطن ان الدولة العبرية laquo;تضلل الرأي العام العالميraquo;. ثم قال الوزير وليد المعلم على هامش مشاركته في مؤتمر دولي لنزع السلاح النووي ومنع انتشاره الاسبوع الماضي، ان laquo;المزاعمraquo; ترمي الى laquo;تهيئة لعدوان إسرائيليraquo;، مؤكداً أنه laquo;لا يوجد تهريب للصواريخ بالأساس والقصة برمتها مفتعلة من قبل إسرائيلraquo;.
لكن الجديد في الايام الاخيرة هو ثلاثة امور:
الأول، دخول واشنطن بقوة اكبر على خط التهديدات والمزاعم. اذ ان نائب المتحدث باسم الخارجية غوردون دوغويد اعلن ادانة laquo;أي عملية نقل أسلحة وخصوصاً أنظمة صواريخ باليستية مثل سكود من سورية الى حزب اللهraquo;، محذراً دمشق من laquo;خطورة الخطأ في التقدير وما قد ينتج عن هكذا تصعيدraquo; وداعياً الى laquo;وقف تام وفوري لأي شحنات أسلحة للحزبraquo;، في وقت نفت دمشق ذلك وحذرت من تجاهل واشنطن لأهداف اسرائيل المبيتة.
الثاني، انضمام وسائل اعلام محسوبة على جماعات الضغط الاسرائيلية مثل laquo;صندي تايمزraquo; الى الحملة عبر نقلها يوم الاحد الماضي عن laquo;مسؤول اسرائيليraquo; تهديدات مباشرة الى سورية.
الثالث، دخول عتاة laquo;المحافظين الجددraquo;، الذين فقدوا مناصبهم المباشرة مع خروج ادارة جورج بوش، وجماعات الضغط اليهودي على الخط. اذ كتب اليوت ابرامز الذي كان مسؤول الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي قبل يومين: laquo;ارسال صواريخ سكود الى حزب الله، يجب الا يسامح. ويجب ان يحظى اي عمل اسرائيلي لوقف ذلك، بدعم اميركي كاملraquo;.
هنا جوهر الموضوع: تسريبات اسرائيلية، حملة اعلامية وسياسية، جهود ديبلوماسية، تحركات جماعات الضغط الاسرائيلية ومقالات اعلامية لـ laquo;شيطنةraquo; سورية ورسم صورة اعلامية الى تهيئة الاجواء السياسية والاعلامية لعمل عسكري وتحميل المسؤولية الى اطراف اخرى.
وان كان بعض اجزاء الحملة يمكن وضعه في خانة الحرب النفسية والاعتبارات الداخلية، يجب اخذ الحملة جدياً وسط وجود جملة من المعطيات تشرح الدوافع الاسرائيلية، وهي:
اولاً، ان حرب العام 2006 لم تنته بحسب الرأي الاسرائيلي. ان اسرائيل وما يعني دور المؤسسة الامنية والعقيدة العسكرية ومحورية ذلك في تماسك الهيكلية السياسية والمجتمعية، صعب ان تتعايش مع نصف انتصار فماذا عن هزيمة او هزيمتين: حرب 2006 وحرب 2009. ويعتقد خبراء الشؤون الاسرائيلية ان حصول عدوان اسرائيلي جديد هو مسألة وقت: متى وليس ما اذا كان سيحصل. يحصل ذلك في وقت يزيد موقف القوى والدول المقاومة والممانعة في المنطقة مع شعور بقوة نفسية وثقة مستندة الى وقائع على الارض.
التحليل المنطقي ان تدفع نتائج عدم تحقيق حربي 2006 و2009 اهدافهما الاسرائيلية المعلنة بتفكيك laquo;حزب اللهraquo; او انهاء laquo;حماسraquo; المجتمع الاسرائيلي الى البحث جدياًً في خيارات السلام طالما ان الحل العسكري فشل. لكن الحالة الاسرائيلية مختلفة ومعاكسة: خسارة الحرب دفعت الى مزيد من التشدد بدل الاعتدال والى التقوقع بدل البحث عن الاندماج والتعايش في المنطقة. ونتائج الانتخابات الاسرائيلية دليل بفوز اليمين وتشكيل نتانياهو حكومة مع الاحزاب المتشددة.
ثانياً، في ظروف كهذه هناك ازمة او شبه ازمة بين اسرائيل واميركا. قال البعض انها الاشد منذ 35 سنة. اذ ان الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي قال بالفم الملآن بضرورة laquo;وقف الاستيطانraquo;، في حين تصرف نتانياهو بسياسة ملآنة باستكمال بناء المستوطنات وعدم وقفها في القدس وكان آخر الخطوات الاعلان عن بناء 1600 وحدة في القدس الشرقية. هناك ادارة اميركية تقول انها تريد حل الصراع العربي - الاسرائيلي. وقال بعض اركانها العسكريين مثل قائد المنطقة الوسطي الجنرال ديفيد بترايوس ان حل الصراع بات laquo;مصلحة قومية اميركيةraquo; مع ربط ذلك بملفات اخرى في المنطقة مثل العراق وافغانستان و laquo;الحرب على الارهابraquo;.
ثالثاً، استدعاء مستشار الامن القومي الاميركي جيمس جونز ستة من مستشاري الامن القومي الاميركي السابقين الى البيت الابيض قبل ايام وانضمام اوباما الى اللقاء للحديث عن امكان طرح الرئيس الاميركي laquo;خطة سلامraquo; في الخريف المقبل ومدى نجاح قيام واشنطن بتقديم خطة وفرضها على الاطراف المعنية، اي الفلسطينيين والاسرائيليين، بحيث تتضمن معايير التسوية: حدود 1967، القدس عاصمة للدولتين، حل لموضوع اللاجئين، نشر قوات دولية على الضفة الشرقية للدول الفلسطينية، ذلك بحسب ما كتب ديفيد اغناطيوس في laquo;واشنطن بوستraquo;.
رابعاً، فشل اسرائيل في الحصول على laquo;ضوء اخضرraquo; دولي واميركي في استهداف ايران. هناك حديث عن عقوبات اقتصادية على طهران، لم تحظ باجماع دولي. هناك تنام في دعم طهران وموقفها بالحصول على الطاقة النووي للاغراض السلمية وتقديم مرونة في تقديم مقترحات لتبادل متدرج لليورانيوم قليل التخصيب مع مشاركة اقليمية ودولية واسعة في المؤتمر الدولي لنزع السلاح النووي ومنع انتشاره والمطالبة بهيئة دولية مستقلة للرقابة على انتشار السلاح النووي. يحصل ذلك في وقت يزيد الاهتمام الدولي والاميركي بالسلاح النووي، حيث وقع اوباما مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف على اتفاقية laquo;ستارت 2raquo; للحد من الاسلحة الاستراتيجية بين البلدين، معتبراً هذه المعاهدة laquo;خطوة مهمة في رحلة طويلةraquo; من أجل الحد من التسلح النووي. كما استضافت واشنطن منتصف نيسان laquo;القمة النوويةraquo; في اكبر قمة من نوعها منذ 1945 التي تمخضت عن تأسيس الامم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. وقال الرئيس الاميركي عن البرنامج النووي الاسرائيلي: إننا نطالب كل الدول أن تكون أعضاء في معاهدة منع الانتشار النووي. ومن المتوقع ان تسعى ايران والدول العربية الى طرح الملف الاسرائيلي خلال اجتماعات مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار المقرر عقده في نيويورك الشهر المقبل.
خامساً، بدء مسيرة عودة العلاقات السورية - اللبنانية الى طبيعتها وتجاوز المرحلة الطارئة في السنوات الماضية وتعزز موقع laquo;حزب اللهraquo; في لبنان وفي الطبقة السياسية واستبعاد طرح موضوع السلاح بطريقة استفزازية على طاولة الحوار واقتراح laquo;استراتيجية دفاعيةraquo; وما يعني كل ذلك من استقرار لبنان.
سادساً، تراجع صورة اسرائيل في اوساط الرأي العام الدولي بسبب جرائمها وتسجيل ذلك في تقارير دولية بينها تقرير القاضي ريتشارد غولدستون وتنامي الادانات للاستيطان والحصارعلى غزة وخطة طرد نحو 70 الف فلسطيني من الضفة الغربية، مقابل تعاطف مع الفلسطينيين مع اجماع المجتمع الدولي على مبدأ laquo;حل الدولتينraquo; وقيام دولة فلسطينية.
في ظروف كهذه مع غيرها من العوامل، تسعى اسرائيل الى العودة الى دور الضحية في المنطقة بعد تراجع التعاطف الدولي وحرف الانظار عن سياساتها واجراءاتها الاستيطانية والهروب من استحقاقات تتعلق بالتزام متطلبات السلام سواء على المسار الفلسطيني او السوري وباعادة خلط الاوراق والاولويات في المنطقة. وليست بعيدة عن هذا السياق، محاولات عرقلة مساعي الحوار السوري - الاميركي بمستواه الثنائي او الاقليمي عبر محاولة تغيير اولوياتها بخفض مستوى اهمية السلام.
وبقدر ما يصح القول ان اسرائيل تدير laquo;حملة مفتعلةraquo; ترمي اساساً الى التمهيد لاحتمال حرب في المنطقة، يصح التذكير بأن حسابات رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت لم تتحقق على الارض لا في حرب 2006 ولا في حرب 2009. لا بد ان يكون قد اكتشف ولو متأخراً ان التوازنات الاستراتيجية تغيرت في الشرق الاوسط وان laquo;قواعد اللعبةraquo; في المنطقة... بالفعل تغيرت.
التعليقات