إياد الدليمي


ربما هي المرة الأولى التي تتفق فيها بغداد وواشنطن على خبر يتعلق بقادة تنظيم القاعدة في العراق، وذلك في أعقاب الإعلان عن مقتل زعيمي هذا التنظيم، أبو أيوب المصري وأبوعمر البغدادي، فلقد كانت المرات السابقة التي تعلن فيها حكومة بغداد مقتل أو اعتقال أحد من قادة القاعدة، فإن واشنطن وقواتها في العراق تنأى بنفسها عن أي إعلان.
وبغض النظر عن صدق الإعلان الأخير من عدمه رغم كل ما يحمله من تناقضات، فإن السؤال الأكبر الذي يعود مجدداً إلى ساحة الحوار هو: هل انتهت القاعدة في العراق بمقتل زعيميها؟
لقد أعلنت حكومة بغداد ولمرات عدة وصلت إلى نحو خمس مرات عن مقتل أو اعتقال أبو عمر البغدادي، بل إنه وفي ذات اليوم الذي أعلن فيه رئيس الحكومة نوري المالكي عن مقتل زعيمي القاعدة، كانت قيادة قوات بغداد التابعة لمكتب المالكي شخصيا، قد نفت قبيل هذا الإعلان مقتل أبو عمر البغدادي، مؤكدة أنه موجود لديها ومعتقل منذ نحو عام.
وكانت التناقضات التي وضعت حكومة بغداد نفسها فيها منذ اللحظة الأولى للترويج عن مقتل أو اعتقال قادة القاعدة قبل نحو عامين، كافية لجعل الشكوك تحوم حول أي تصريح بخصوص هذا التنظيم، الذي يبدو أنه تحول إلى منظمة سرية، بات يصعب حتى على العديد من متابعي نشاطها رصد أهدافها، أو الجهات التي تمولها، ناهيك عن طبيعة وجودها في العراق.
إن وجود تنظيم ونشاط للقاعدة في العراق، جاء بُعيد الاحتلال الأميركي للعراق، والنشاط الوحيد الذي سجل لهذا التنظيم كان في قرية كردية على حدود العراق الشمالية، يوم كان أكراد العراق في وضع شبه مستقل عن حكومة بغداد، حيث دخل العشرات من أعضاء هذا التنظيم قادمين من أفغانستان، بعملية عبور سهلت طريقها إيران، لتقوم بعد ذلك القوات الأميركية بقصف القرية الكردية laquo;بيارهraquo; بعشرات الصواريخ، موقعة عشرات القتلى والجرحى، على أمل القضاء على هذا التنظيم في مهده، خاصة أنه كان قد دخل في عدة مواجهات مع قوات الأحزاب الكردية.
ومع ذلك، فإن هذا التنظيم، أو أعضاء منه، قد تسللوا مرة أخرى إلى العراق، بعد أن كانت الحدود العراقية مفتوحة لمن هب ودب، بفعل القرارات السيئة التي أصدرها سيئ الذكر بول بريمر الحاكم المدني للعراق عقب الاحتلال، وهو ما ساعد على دخول العشرات من أعضاء القاعدة وآخرين.
وقد وجد القاعديون في العراق تربة خصبة لمقارعة القوات الأميركية، فالنقمة التي سادت العراقيين عقب احتلال بلدهم، وعدم وجود أية مؤسسة عراقية يحترمها العراقيون لإدارة شؤون البلاد، ناهيك عن القسوة البالغة لقوات الاحتلال في التعامل مع العراقيين، دفعت العشرات بل المئات من العراقيين للانضمام إلى هذا التنظيم، قبل أن ينقلب laquo;التنظيمraquo; من مقارعة قوات الاحتلال إلى استهداف العراقيين خاصة العرب السنَّة منهم، الذين كانوا الحاضنة الحقيقية للقاعدة، الأمر الذي دفع العرب السنّة، إلى الانقلاب على القاعدة وأفكارها، حتى حجم هذا التنظيم، وكاد لا يذكر لولا التصريحات والاتهامات الحكومية التي تلقي بالتبعية على هذا التنظيم عقب كل تفجير يكشف فشل أجهزة الحكومة التي صرف عليها مليارات الدولارات من أموال العراقيين.
وقد تضاءل الوجود القاعدي في العراق عقب الانقلاب السني عليه، بشكل كبير، فلقد أيقنت أغلب العشائر العراقية وتكتلاتها السياسية المنبثقة عنها أن القاعدة تحولت إلى تنظيم تكفيري، ناصب الجميع العداء، حتى تلك الفصائل المسلحة التي وقفت لمقارعة قوات الاحتلال، وبالتالي فإن القاعدة والحديث عن وجودها في العراق يقودنا إلى التأكيد على أن هذا التنظيم تحول إلى laquo;قواعد ثلاثraquo; إن صح التعبير:
الأولى: التنظيم الأصلي للقاعدة، وهو التنظيم الذي واجه العشائر السنية في غرب وشمال العراق، والتي تمكنت من تحجيم قوته، واستعادة سيطرتها على محافظة الأنبار تحديدا، وهنا لابد من التذكير بأن ريكاردو سانشيز قائد القوات الأميركية في العراق عام 2005 قال وبالحرف الواحد وبعد معارك ضارية مع هذا التنظيم في الأنبار laquo;ربما نكون قد فقدنا الأنبار إلى الأبدraquo;.
الثاني: قاعدة تحولت إلى مرتزقة، وهم عدد من أعضاء هذا التنظيم الذين دخلوا إليه ليس على أساس إيديولوجي بقدر محاولة البحث عن مكاسب، وتحول هؤلاء إلى قوة مستأجرة يمكن أن تنفذ مقابل المال.
الثالث: قاعدة تابعة لإيران، وهي التي تقوم بعمليات تفجير واسعة في العراق بالتواطؤ مع قوات حكومية وميليشيات تابعة لإيران، معروفة من قبل الحكومة العراقية، وهذه الأخيرة مازالت فاعلة، غير أنها لا صلة لها بأي من أعضاء القاعدة الأولى التي تشكلت في العراق عقب الاحتلال والتي ndash;كما أسلفناndash; شبه ميتة.
ربما سيظهر شخص في تسجيل صوتي يدعي أنه أبو عمر البغدادي، فوفقاً لمسؤول عراقي في الصحوات، فإن منصب أمير دولة العراق الإسلامية، هو عنوان لأشخاص عدة، فإذا ما مات أحدهم أو قتل، فإن هناك من يحل محله.
والسؤال الأهم في هذا الإطار: على من ستلقي حكومة بغداد مسؤولية أية تفجيرات جديدة قد تحصل؟ خاصة أنها اتفقت ولأول مرة مع واشنطن، ولأول مرة أيضاً، في أن مقتل زعيمي القاعدة وجه ضربة قاسية لهذا التنظيم.
الأهم من ذلك أن هذا التنظيم لن ينتهي، ليس بسبب قوته، وإنما لوجود عوامل داخلية وإقليمية تسعى لبقاء هذا التنظيم فاعلا في الأراضي العراقية.