جميل الصيفي
لم يعد أمرا مفاجئا أن تقوم إسرائيل بافتعال الأزمات واصطناع ضجة مفتعلة من حين لآخر خدمة لمصالحها الآنية والبعيدة، لأنها خُلقت من أزمة وتعيش وتترعرع في ظل الأزمات، على ضوء مهارتها في التلاعب بالحقائق وخلط الأوراق وإثارة الأزمات، ومن ثم السعي لاستغلال كل ذلك لخدمة مصالحها وأهدافها.
ولعل أحدث ضجة مفتعلة من قبل إسرائيل هي حول مزاعم بتسليم سوريا صواريخ سكود لحزب الله، كما أنها نجحت في استقطاب العديد من أبواق الدعاية الغربية سواء تلك المرتبطة بالصهيونية العالمية أو تلك المغرر بها أو من باب التسابق على ما يعرف بالسبق الصحافي للترويج لتلك المزاعم والافتراءات، ولم تأتِ تلك المزاعم ولا الضجة المفتعلة من فراغ، فإسرائيل -وجرياً على عادتها ومنذ قيامها في العام 1948- تتفنن في اختلاق الأزمات لتحقيق مآرب لها عادة ما تكون أبعد كثيرا من القضية التي يثار حولها الجدل والضجيج، خاصة حينما تكون الدولة العبرية في مأزق أو هكذا تبدو.
ولو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا أن إسرائيل افتعلت في منتصف الخمسينيات ضجة حول السلاح السوفييتي لمصر، والتي بدورها ألّـبت كلاً من: بريطانيا وفرنسا ضد مصر، خاصة بعد تأميم قناة السويس، وحيث تلاقت المصالح الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية، وأدى ذلك إلى ما بات يُعرف في التاريخ بالعدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، ولكن دون إشراك الولايات المتحدة التي كانت غائبة في تلك الأيام عن المسرح السياسي الإسرائيلي، وكانت أوروبا هي الراعي الأساسي لإسرائيل من حيث تزويدها بالسلاح والمعونات الاقتصادية، وبعد عقد من الزمن افتعلت كذلك أزمة الحشود العسكرية على الجبهة السورية مما تسبب في حرب يونيو 1967، وبعد عقد آخر أو نحوه افتعلت أزمة المقاومة الفلسطينية المسلحة في جنوب لبنان مما تسبب في غزويْ 1978 و1982 لجنوب لبنان، وما تبع ذلك من احتلال لجنوب لبنان علاوة على احتلال بيروت من قبل الجيش الإسرائيلي إلى أن أجبرت على الانسحاب شبه الكامل من الجنوب اللبناني عام 2000 تحت وطأة ضربات المقاومة اللبنانية.
واليوم تطالعنا إسرائيل بقضية جديدة تتهم فيها سوريا بتزويد حزب الله بصواريخ سكود، وتزعم أن ذلك سيُخلّ بميزان القوى الاستراتيجي في الشرق الأوسط، فهل حقا تلك الصواريخ تشكل إخلالا بموازين القوى مع إسرائيل التي تمتلك ترسانة من الأسلحة النووية ربما كانت أكبر من ترسانات عدد من الدول العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن؟ وهل صحيح أن سوريا لا تعي تداعيات ذلك إن هي فعلتها؟ وهل يستطيع حزب الله إخفاء مثل تلك المنظومة التسليحية الكبيرة في منطقة يسعى فيها حزب الله إلى إخفاء كافة قواعده ومراكزه العسكرية في ظل تحليق الطيران الإسرائيلي المستمر فوق لبنان وقدرة طائرات الاستطلاع التابعة له، ناهيك عن المقاتلة، على اكتشاف كل صغيرة أو كبيرة ثابتة أو متحركة آناء الليل وأطراف النهار؟
يأتي الرد من تعليقات وتحليلات الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين الذين يرون في صواريخ سكود أسلحة عفا عليها الزمن، كما أن تشغيل تلك الصواريخ يتطلب فترة طويلة نسبيا من حيث تزويدها بالوقود ومن ثم نصبها على المنصات قبل إطلاقها، وهو زمن كافٍ بل أكثر من كافٍ لإسرائيل لاكتشافها والإغارة عليها وتدميرها، ناهيك عن افتقارها للدقة في إصابة الهدف، وبذلك فهي ليست عملية لمنظمة تعمل في الخفاء ولا يمكن مقارنتها بما لدى إسرائيل من قوة عسكرية سواء منها التقليدية أو النووية والجرثومية والكيماوية، ولذلك فإن السر وراء تلك الضجة المفتعلة من قبل إسرائيل ربما كان يهدف إلى إفشال ما بدا من تقارب سوري أميركي على ضوء تسمية أميركا لسفير جديد لها في سوريا ومحاولة الإدارة الأميركية فتح قنوات اتصال وحوار معها، ثم إن هناك هدفا آخر وهو إبعاد عيون الرأي العام الدولي عن عملية سلام الشرق الأوسط وما تتطلبه تلك من التزامات إسرائيلية ليس أقلها وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ناهيك عن تنفيذ القرارات الدولية وإنهاء أطول احتلال استعماري في العصر الحديث للأراضي الفلسطينية، والتغطية كذلك على الأزمة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية بسبب مطالبة أوباما لنتنياهو بتلبية عدة مطالب قدمها له خلال زيارة الأخير إلى واشنطن مؤخراً، من أجل الدفع قدماً بعملية سلام الشرق الأوسط، وإقامة الدولة الفلسطينية خدمةً لمصالح إسرائيل خاصة والغرب عامة، لكن إسرائيل تعودت على التهرب من دفع استحقاقات السلام والضرب بعرض الحائط بكافة الاتفاقيات والمعاهدات سواء الدولية أم الإقليمية، ولعل أوضح تلك الانتهاكات ما يتبين في طريقة تعامل إسرائيل مع اتفاقيات جنيف ومعاهدتيْ السلام مع كل من مصر والأردن.
عوّدتنا إسرائيل ولدى حلول ذكرى قيامها خلال العقود الست الماضية أن تخرج علينا في كل سنة -وفي هذا الوقت بالذات- بافتعال أزمات من شأنها إثارة البلبلة وأجواء المواجهة في المنطقة وفق أجندة مرسومة بعناية، فهي تريد تذكير العالم زورا وبهتانا أن أمنها ووجودها ما زالا في خطر، ومن هذا المنطلق تدعو العالم ضمنا وأميركا بوجه الخصوص إلى الاستمرار في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لها، كما أن من المحتمل أن يكون وراء ذلك وجود خطة مبيتة للهجوم على سوريا، واستدراج إيران إلى مواجهةٍ تتلهف إسرائيل على قيامها، مما سيدفع بأميركا إلى مهاجمتها وتدمير أو شل البرنامج النووي الإيراني، وهو الهاجس الأكبر لدى صناع القرار السياسي لليمين المتطرف في إسرائيل، وبذلك تكون إسرائيل قد اصطادت أكثر من عصفور بحجر واحد من تلك الضجة المفتعلة، فهل سيلجأ العرب إلى وضع استراتيجية إعلامية عالمية وإقليمية -وذلك أضعف الإيمان- لفضح نوايا إسرائيل الشريرة وراء تلك الضجة المفتعلة، وكشف إسرائيل على حقيقتها أمام العالم؟ سؤال نتوجه به إلى الأنظمة العربية التي تهدر المليارات من أجل الاستمرار في قمع شعوبها، لعلها تنفق هذه المرة النزر اليسير من المال لكشف ألاعيب ومكر إسرائيل ومؤامراتها ونواياها الشريرة، سؤال ستجيب عليه الأيام القادمة وإن غداً لناظره قريب.
التعليقات