عدنان حسين

أظن أن علينا أن نتقدم بجزيل الشكر وفائق الامتنان الى كل هؤلاء الذين يديرون الأزمة السياسية المتصاعدة في بغداد، وهم حصرا من الكتل العربية الرئيسة الثلاث: ائتلاف العراقية وائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني.
نشكرهم ونعبّر عن الامتنان لهم، لأنهم لم يخيّبوا توقعاتنا، ولم يثبتوا عكس ما نعتقده عنهم. لربع الميل. وتوقعاتنا هي أنهم سيديرون هذه الأزمة بأسوأ ما يكون، وبأكثر ما يلحق الضرر بالعراق والشعب العراقي.. وكما يشهد الجميع الآن بالصورة والصوت، فإن زعماء الكتل الثلاث وقادتها جميعا، يتبارون في سوء إدارة أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، على نحو لا يشبه إلا إدارة صدام حسين للأزمات التي واجهها نظامه على مدى ربع قرن. اما ما اعتقدناه عن laquo;النخبةraquo; المتنفذة في بغداد (زعامات الكتل الثلاث جميعا)، وهو انها أنانية الى أبعد الحدود.. ضعيفة الشعور بالمسؤولية الوطنية، وبعضها منعدم هذا الشعور تماما.. فهو تماما في محله.
نشكرهم ونعبّر عن الامتنان لهم لأنهم جميعا، ودونما استثناء، يرسّخون لدينا الاعتقاد بأن ما يحتاج اليه العراق الآن، وفي المسقبل ايضا، ليس هذا النمط من الزعامات او السياسيين.. لا تقولوا: علاوي أفضل من المالكي، ولا المالكي أفضل من علاوي، أو الهاشمي، ولا أي منهم أحسن من الجعفري، أو عبد المهدي، أو سواهما، ولا هؤلاء أفضل من أولئك.. فها هم جميعا، ودونما استثناء أيضا -كما تعكس تصريحاتهم وشتائمهم ومواقفهم وتحركاتهم وتصرفاتهم- يشبهون بعضهم بعضا تماما، كأنهم توائم.. نسخة طبقة الأصل عن بعضهم البعض، مثل الأولاد الذين يؤدون لعبة جماعية، من دون انتظام أو قواعد وأصول.
انهم في حقيقة الأمر يبدون أمامنا أولاداً صغاراً... وحدهما؛ الحظ العاثر للشعب العراقي، وغفلة التاريخ، جعلا منهم لاعبين كبارا في مصير هذا الشعب، مثلما كان الحظ العاثر وغفلة التاريخ أيضا وأيضا، وراء تولي أبناء شوارع، مثل صدام حسين، واحمد حسن البكر، وعلي حسن المجيد، وعبدالسلام عارف، وعلي صالح السعدي وغيرهم.. وغيرهم.. مقاليد الأمور في بلد مثل العراق على مدى نصف قرن.
التاريخ يعيد نفسه.. مرة في صورة مأساة، وأخرى في صورة مهزلة. المأساة العراقية لم تنته مع نهاية نظام صدام.. انها تتفاقم الآن، وتتلاحم مع المهزلة على أيدي laquo;النخبةraquo; الحالية في بغداد.
حتى في الدول الأوروبية الآمنة المستقرة العائشة في رغد ورفاه، لا يتحمل الناس أن تستمر أزمة تشكيل الحكومة أكثر من بضعة أسابيع.. لكن لدينا laquo;نخبةraquo; تصرّ، ودوما، على أن تمتد أزمة تشكيل الحكومة أربعة أو خمسة أشهر.. وربما أكثر. إذ إننا نسمع الآن، نذرا وتهديدات، بأن تظل الأزمة على حالها من التأزيم لسنة أو أكثر!! وعندما نتفحص جوهر هذه الأزمة، نجد ان السبب الحقيقي فيها يعود الى ان علاوي يريد رئاسة الحكومة لنفسه، فيما المالكي لا يريد أن يتنازل عنها، بينما الحكيم والجعفري وعبدالمهدي لا يرغبون بها، لا لعلاوي ولا للمالكي، وإنما لواحد من آل بيتهم (الائتلاف الوطني).. الاختلاف لا يدور على برنامج الحكومة المقبلة، ولا على ما يمكن أن تقدمه من خدمات للشعب العراقي المدمى، الجائع، البائس، المتخلف.. انه يدور في جملته وتفصيله على من يكون رئيسا للحكومة.. وكلهم في الواقع أنانيون، عديمو الشعور بالمسؤولية الوطنية، والدليل أن لا أحد منهم يريد التنازل لغيره.. هو، وليكن الطوفان من بعده!!