احمد عمرابي

هل تتغير الصورة السياسية العامة للسودان بعد الفوز الانتخابي الكاسح الذي حققه حزب laquo;المؤتمر الوطنيraquo; الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير؟

إن كان من الجائز القول إن السودان دخل laquo;مرحلة جديدةraquo;، فإن أبرز وأقوى ما يميز هذه المرحلة هو أن الانقسام بين شمال وجنوب صار أوضح أكثر من أي وقت مضى.. وأن هذه الحقيقة الكبرى سوف تفرز تغييرات على المستويات الداخلية والإقليمية والعلاقات الدولية.

على الصعيد الداخلي جرت العملية الانتخابية في كل مستوياتها المتعددة على خلفية هبوب رياح الانفصال حتى قبل أن يبدأ الاقتراع. فقد تحول الهمس الانفصالي في الجنوب إلى موقف رسمي على لسان رئيس حكومة الحكم الذاتي سالفاكير ميارديت (وهو أيضا القائد السياسي لحزب laquo;الحركة الشعبيةraquo; الجنوبية) حين دعا أهل الجنوب علنا إلى الأخذ بخيار انفصال الجنوب عن الشمال إذا أرادوا ألا يعيشوا laquo;كمواطنين من الدرجة الثانيةraquo; في سودان موحد.

وفقاً لاتفاقية نيفاشا للسلام فإن شهر يناير 2011 هو الموعد المقرر لإجراء استفتاء عام في الجنوب لكي يقرر أهل الجنوب مصيرهم النهائي من خلال خيارين: الاستمرار في البقاء مع أهل الشمال داخل سودان واحد أو الانفصال تمهيدا لإقامة دولة مستقلة عن الشمال.

لكن منذ الآن وعلى مدى الشهور الثمانية أو التسعة سيكون الإعداد للانفصال الهاجس الأعظم والأوحد لقيادة الحركة الشعبية بما يجعلها زاهدة في الشراكة في الحكم المركزي مع المؤتمر الوطني.. إلا بمقدار ما يتعلق بتذليل مشاكل أو خلافات قد تطرأ على الطريق إلى الاستفتاء.

هذا الطلاق سوف ينعكس بدوره حتماً في المستوى الإقليمي على علاقات سودان ما بعد الانتخابات مع دول الجوار، خاصة إثيوبيا واريتريا. لمدى زمن طويل تأثرت هذه العلاقات سلبا بسبب laquo;مشكلة الجنوبraquo;. وإذ تحسنت العلاقات نسبيا بعد اتفاقية نيفاشا للسلام، فإن من المنظور أن تزداد تحسنا بعد أن شرع الجنوب في اتخاذ طريق الانفصال.

كذلك سوف تزداد تحسنا علاقات سودان laquo;المؤتمر الوطنيraquo; مع مصر في ضوء الأزمة الناشئة بين دول حوض النيل حول اقتسام الحصص المائية، حيث انقسمت هذه الدول إلى مجموعتين متضادتين: مجموعة دول المنبع من ناحية التي تضم دول شرق ووسط إفريقيا.. ومجموعة دول المصب التي تتكون من مصر والسودان فحسب، مما سيؤدي إلى إقامة تحالف مائي بين هاتين الدولتين الشقيقتين.

واستطرادا ينبغي أن نقول: إنه في حال قيام دولة مستقلة في الجنوب السوداني فإن هذه الدولة الجديدة سوف تلتحق بعضوية دول حوض النيل. لكن بالطبع لن نعرض الآن على وجه الدقة ما إذا كانت الدولة الجديدة سوف تنضم إلى مجموعة مصر والسودان.

دولة الجوار الوحيدة التي يمكن أن تتدهور علاقتها مع حكومة المؤتمر الوطني هي تشاد. وذلك لارتباطها الوثيق بمشكلة دارفور.

لقد ظلت الحكومة التشادية الداعم الأكبر لكبرى الحركات الدارفورية المسلحة laquo;حركة العدل والمساواةraquo;. وكما هو معلوم فإن هذه الحركة تدعي أنها الممثل الشرعي الأوحد الذي يجوز له الانفراد والتفاوض باسم أهل إقليم دارفور.

لكن البرلمان الإقليمي الجديد الذي أفرزته الانتخابية السودانية في دارفور سوف يتقدم الصفوف باعتبار أنه الممثل الشرعي الحقيقي الديمقراطي للشعب الدارفوري. وفي هذه الحالة سوف يطرأ سؤال: أين تقف حكومة تشاد..

وهل تواصل دعمها لحركة العدل والمساواة أم تسحب اعترافها بها؟

في هذا الصدد نسترجع ما صدر قبل نحو أسبوعين من الانتخابات من د. أمين حسن عمر رئيس الوفد الحكومي إلى محادثات الدوحة مع الفصائل الدارفورية.

فقد تحدث عن إشراك laquo;قوى سياسية أخرىraquo; عند استئناف المحادثات بعد نهاية العملية الانتخابية. ولا يمكن أن تكون هذه laquo;القوى السياسية الأخرىraquo; سوى مجموعة النواب المنتخبين للبرلمان الدارفوري الجديد.

أكثر ما يلفت الانتباه على الصعيد الدولي بشأن الانتخابات السودانية موقف الولايات المتحدة ومعها دول غربية رئيسية وتحديدا بريطانيا وفرنسا والنرويج وكندا. فقد تحدثت واشنطن عن العملية الانتخابية وكأنها محطة على الطريق إلى انفصال الجنوب.

أجل.. لقد انتقدت الولايات المتحدة والدول الغربية عامة عمليات الاقتراع ووصفتها بأنها ليست نزيهة ولا تفي بالمعايير الانتخابية الدولية. لكن مع ذلك أعربت واشنطن عن laquo;ارتياحهاraquo; للانتخابات.

لماذا؟ لأن ارتياح الولايات المتحدة ناتج جزئيا عن أنها منسجمة مع اتفاقية السلام الشامل. هكذا أعلن سفير الولايات المتحدة إلى الاتحاد الإفريقي مايكل باتل. وكان المتحدث باسم البيت الأبيض أكثر وضوحا بقوله إن الانتخابات شكلت laquo;محطة أساسيةraquo; أي محطة نحو انفصال الجنوب.

كما رأينا فإن المتغيرات المتوقعة كصدى للانتخابات السودانية على الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية تتمحور جميعها حول انفصال جنوب السودان كتطور حتمي.

والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: هل تعي القيادات السياسية الشمالية على صعيدي الحكم والمعارضة المغزى الجوهري للمرحلة التالية؟.. إن السودان أصبح عمليا دولتين وان على كافة هذه القيادات أن تتكتل كقيادات شمالية في مواجهة جنوب مستقل عمليا يتمتع باعتراف القوى الخارجية الكبرى.

لم يكن الداعي إلى تشكيل حكومة قومية شاملة أقوى مما هو عليه الآن.