امحمد مالكي

لمن يُوجه سباق التسلح في بلاد المغرب؟.هل هناك خطر داخلي يداهم استقرارَ وأمنَ دول المنطقة ويستلزم منها إعدادَ العُدّة لدرء المخاطر وترشيد الخسائر؟، أم هناك احتمال حصول اعتداء خارجي يستوجب التحوُّطَ له والاحتياط منه؟، وإذا صحت فرضية وجود خطر خارجي، فمن أي اتجاه هو قادم؟، من داخل المنطقة المغاربية، أم من محيطها الدولي؟. إنها جملة من الأسئلة التي ما انفكت الطبقة السياسية، والمتابعون للشأن المغاربي، من مثقفين وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين، يسعون إلى البحث عن أجوبة مٌقنعة، تفسر التسابق المحموم لبلدانهم نحوالتسلح في العقدين الأخيرين، وفي العشرية الأولى من الألفية الجديدة على وجه التحديد. وحدها التقارير الدولية ذات الشأن تمدُّهم بأرقام وإحصائيات عن حجم مُخصصات التسلح من الحجم الإجمالي لموازنات بلدانهم، وهي، بكل المقاييس، وقائع مهولة وذات دلالات عميقة على حال المنطقة ومستقبل العلاقات بين بلدانها. ففي تقريره الدوري الأخير، حذّر quot;معهد استكهولم لبحوث السلامquot; من خطورة الحمى المتزايدة للتسلح في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتصدر الجزائر والمغرب، وإلى حد ما ليبيا، لائحة الدول المهووسة بالسباق نحوالتسلح. يُذكر أن الكونغرس الأميركي وافق خلال السنوات الثلاث الماضية على صفقة تزويد المغرب بـ24 طائرة مقاتلة من نوع ف.16 بقيمة 2،4 ملياري دولار، وثلاث مروحيات عسكرية بمبلغ 134 مليون دولار. أما الجزائر ـ التي سبق لها أن تزودت بأربعين مقاتلة من نوع ميغ 29 وأخرى من نوع سوخوي 30، وست عشرة طائرة تدريب من نوع ياك 130 ـ فقد اشترت 38 نظاما مضاداً للطائرات من نوع quot;بونستيرquot; من روسيا، لتضيفها إلى قائمة المقتنيات السابقة المندرجة ضمن خطة تحديث منظومتها العسكرية، كما أعلن عن ذلك قادتها السياسيون والعسكريون. وفي السياق نفسه، أشارت دراسة لمنظمة quot;فوركاست انترنشيونالquot;، المختصة في مسائل الدفاع، إلى اعتبار الجزائر الزبون الأول لروسيا في أفريقيا، وهي اليوم تترتب في العشر دول الأولى في العالم من حيث قيمة مشتريات السلاح. ففي عام 2008 خصصت موازنتها 295 مليار دينار، أي ما يقابل 4،4 مليارات دولار، لوزارة الدفاع، كما صرفت، منذ نهاية التسعينيات، ما معدله 2،3 مليارا دولار سنوياً لشراء معدات وتجهيزات حربية.
ليس من الضَّيرِ في شيء أن تحرص الدول على تحديث عقيدتها العسكرية، ورفع كفاءة قواتها، وتحصين بنيتها الدفاعية بُغية توفير شروط حماية أمنها الوطني ورعاية وحدة مجالها الترابي، بيد أن الأمر يغدو مثيراً للقلق حين يتحول إيقاع التسلح إلى حُمى مستشرية غير واضحة المعالم من الناحيتين السياسية والإستراتيجية، كما هو حاصل في بعض البلدان المغاربية . ومن اللاّفت للانتباه أن في الوقت الذي تَوارت فيه الحرب الباردة، وضمِرت مضاعفاتها، تجَدَّدَ السباق نحوالتسلح بين المغرب والجزائر، وبدا الأمر وكأن البلدين يُعِدان لحرب قادمة، علماً أن لا التاريخ المشترك، ولا المصالح الحيوية لشعبيهما، ولا منطق السياسة حقائق تسمح بإجازة فرضية الحرب القادمة ..فمن يتسلح ضد من؟. ففي الواقع تُوحي طبيعةُ الصفقات المبرمة ونوعيةُ الأسلحة موضوعَ الاقتناء وكأن المنطقة على مشارف تهديد حاصل، أو حرب وشيكة الوقوع. فهكذا، تعددت مصادر التسلح وكثُرَ شركاؤُه وتنوعت شركاتُه، وغدا المغرب العربي فريسةً لتهافت دولي عزَّ نظيرُه حتى فترة اشتداد الحرب الباردة.
ثمة تجارب دولية ناجحة كفيلة بحفز الدول المغاربية على تحويل الإنفاق العسكري المتصاعد إلى مصادر فعلية للتنمية المشتركة. يحضرني، في هذا السياق، مثال البرازيل والأرجنتين اللتين عاشتا انعدام الثقة رَدَحاً من الزمن وأقدمتا على تطوير معامل السلاح، بما في ذلك السلاح النووي، وفي لحظة وعي تاريخي استجابتا لنداء المستقبل، فتحولتا من حكم عسكري إلى سلطة مدنية منتخبة ديموقراطياً، فكان ذلك مفتاح إعادة بناء الثقة بينهما، هذا الذي شكل بدوره جِسر المرور نحوالجوار البنّاء، الذي دون أن يَبخَس حق البلدين في الاعتداد بقطريتهما، لم يمنعهما من التفكير واقعياً وبروح استشرافية في أن يكون الاستثمار في الإنسان، وفي محيطه الأوسع، فكان أن اتجها إلى بناء مستقبلهما في حظيرة quot;الميركوسورquot;، التي تُعد، دون منازع، ثالث تجمع اقتصادي في العالم بعد quot;الإتحاد الأوروبيquot; وquot;ودول آسيا الجنوبية الشرقيةquot;.. إن في مثال quot;البرازيلquot; وquot;الأرجنتينquot; درساً مستفاداً لإرادة تحويل الاختلاف إلى ائتلاف إن توفرت لبلاد المغرب الإرادة اللازمة لاجتراح هذا الاختيار.