صالح عبد الرحمن المانع
حملت الأنباء التي نشرتها الصحف الفلسطينية والإسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي، أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قد وافقا على بدء مفاوضات مباشرة، عبر وساطة أميركية، وموافقة رمزية عربية تعلن خلال هذا الشهر. ويبدو أن نتنياهو قد رضخ أخيراً للمطالب الأميركية بوقف بناء مستوطنات جديدة في القدس الشرقية، مقابل بدء مثل هذه المفاوضات.
والحقيقة أن نتنياهو في مواجهته التاريخية ضد كل من أوباما ونائبه quot;بايدنquot;، حاول أن يشحذ همم اليهود الأميركيين كي يقفوا في صفّه، ويعارضوا سياسة الإدارة الأميركية. وربما كان قد نجح في تجييش جزء من اللوبي الصهيوني في الكونجرس، وبعض رؤساء منظمات quot;الليكودquot; في نيويورك، وقد حلفوا الإيمان المغلظة على الإطاحة بمرشحي الحزب quot;الديمقراطيquot; في الحملة الانتخابية لانتخابات الكونجرس النصفية في شهر نوفمبر المقبل.
غير أن رهان نتنياهو على اليهود الأميركيين لم ينجح، فهناك منظمات يهودية تعارض سياسة الاستيطان وتنادي بحل الدولتين مثل منظمة quot;جي ستريتquot; اليهودية. وفي استطلاع لآراء اليهود الأميركيين أجرته المنظمة الأميركية اليهودية في 11 أبريل الجاري، أظهرت أغلبية المستجوبين رضاها عن مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى بعد المواجهة المشهورة. وقال 47 في المئة منهم إنهم يؤيدون استراتيجية أوباما، بينما عارضها 42 في المئة، وبينما صوتت أغلبية اليهود الأميركيين لضرب إيران من قبل إسرائيل 63 في المئة، قال 53 في المئة منهم إنهم سيدعمون حملة عسكرية أميركية ضد إيران.
والنقطة الرئيسية هنا هي أن رهان نتنياهو على اليهود الأميركيين قد فشل. كما أن حجم الانتقادات التي وجهت إليه من قبل كُتاب الأعمدة والصحفيين المؤثرين في إسرائيل تعاظمت، حتى من قبل بعض المحسوبين على التيار اليميني والليكود الإسرائيلي.
وربما كان أهم من ذلك أن إدارة أوباما لم يقتصر ضغطها على إسرائيل على الجهد الدبلوماسي، فقد رفضت أيضاً قبل شهر ونصف بيع إسرائيل أسلحة متطورة قيل إنها قد تحتاجها في أية عملية عسكرية مستقبلية.
وقد تزامنت موافقة نتنياهو على الوقف المؤقت للاستيطان مع زيارة quot;إيهود باراكquot; لواشنطن ولقائه مع مسؤولين عسكريين أميركيين، وربما كان جزءاً من الصفقة إعادة مسار بيع الأسلحة الممنوعة إليها.
غير أن كل ذلك لا يعني أن مستقبل السلام بات وشيكاً، فالإسرائيليون عرفوا في الماضي أنهم يريدون ابتلاع كل فلسطين ولن يسمحوا للفلسطينيين بأن يبنوا دولتهم المستقلة، واستعادة القدس الشرقية. وعملية التفاوض بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي ستكون عملية عسيرة، ويحتاج الفلسطينيون إلى دعم عربي قوي، خاصة من الدول القوية في المنطقة. فالسلام لم يعد خياراً فلسطينيّاً، بل هو خيار عربي، وإذا ما فشل العرب في تحقيقه فإن ذلك سيعدّ بمثابة إشكالية استراتيجية يصعب إيجاد حلول لها.
ويبدو أن الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة قد سئمت المماطلات الإسرائيلية، وباتت ترى أن مصالحها في المنطقة تتهددها المواقف الموالية لإسرائيل. وقد أكد عدد من قادتها العسكريين ومنهم الجنرال بيترايوس - في شهادته أمام الكونجرس الأميركي في شهر فبراير الماضي- أن الدعم الأعمى لإسرائيل بات يهدد المصالح الحيوية لأميركا، بل ويهدد حياة جنودها في البلدان الإسلامية، خاصّة في العراق وأفغانستان. وحين يتحدث قائد عسكري أميركي محبوب في بلده بمثل هذا الكلام، فإن من شأن ذلك أن يثير خوف الإسرائيليين من ردة فعل أميركية شعبية ضد اللوبي الإسرائيلي، ويهدد قبضته على معظم الساسة الأميركيين، خاصة في الكونجرس.
ومثل هذا التباين في الموقف بين الحامي والمحمي يقتضي استغلاله من قبل الساسة والقادة العرب، من أجل تعميقه والنفاذ إلى العقل الأميركي لإقناعه بأن القادة الإسرائيليين، خاصة في حزب quot;الليكودquot; لا يرغبون في السلام، بل يريدون اقتلاع الفلسطينيين وابتلاع أراضيهم. وهناك الكثير من أصحاب الرأي الحر في الجامعات الأميركية ومنظمات حقوق الإنسان، حتى في صفوف اليهود الأميركيين أنفسهم ممن يحذرون على الدوام من أن الغطرسة الإسرائيلية ستقود إسرائيل في نهاية المطاف إلى وبال وخيم.
وبالنسبة للدول الكبرى فإن وجود المفاوضات في حد ذاته هو هدف يجب تحقيقه، وليس بالضرورة التوصل إلى السلام المنشود، وعملية السلام، كما يسموّنها يمكن أن تستنزف القوى والطاقات العربية، وتقرّب العرب أكثر فأكثر نحو التطبيع دون ضرورة تحقيق جزء من شروط السلام العربية.
غير أن العرب تقول quot;من لجّ بالباب ولجquot;، ولذلك فإن الضغط السياسي والدبلوماسي مطلوب أكثر فأكثر. فمثل هذا الضغط نجح في منتصف التسعينيات في تحقيق إقامة كيان فلسطيني وليد على جزء من أراضي الضفة الغربية. ولا زال بعض القادة الإسرائيليين يعضون أصابع الندم على سماحهم، كما يدّعون بإقامة هذا الكيان لأنه عظّم من المطالب الفلسطينية، وحقق لها شرعية دولية على الأرض لا يمكن تجاهلها.
كما أن الحل السلمي لا ينبغي أن يكون عبارة عن وعود جوفاء تبرر المزيد من شن الحروب في المنطقة، وبالتالي تضعف القدرة التفاوضية للنظام السياسي العربي. فالزمن، كما الأرض، ينفذان من بين أصابع أيدينا، ما لم نضغط بقوة من أجل تحقيق الأهداف النهائية لأية عملية سلام، وذلك في أطر زمنية قريبة.
التعليقات