الياس حرفوش


من الصعب فهم الاسباب وراء اصرار المسؤولين الايرانيين على حشر اسم laquo;الخليج الفارسيraquo; في كل مناسبة لها صلة بعلاقاتهم بجيرانهم الخليجيين، سواء كانت مؤتمراً دولياً او مباراة لكرة القدم. فمن البديهي ان هذه التسمية لن تغير الموقع الجغرافي لهذا الممر المائي، ولن تعدّل من وضعه الاستراتيجي كمنطقة تتحكم الى حد بعيد باقتصادات العالم، وبالتالي تفرض حماية لهذا الخليج تتناسب مع أهميته. لهذا لا يمكن أن يوضع هذا الاصرار الايراني الا في اطار مشروع هيمنة الجمهورية الاسلامية على جيرانها، وهو مشروع يحمل هدفين: احدهما قومي عنصري لا يستهدف المياه وحدها في الخليج، والآخر ايديولوجي يرتبط بمشروع الثورة الايرانية نفسه، الذي يصنف أهل المنطقة الخليجية بين حلفاء مع الثورة او laquo;متآمرينraquo; عليها. والمستغرب ان ايران، التي يفترض انها منشغلة هذه الايام بالهم الفلسطيني، فيما هي تحضّر نفسها لـ laquo;تكسير أرجلraquo; من يعتدون على حلفائها، تجد وقتاً للاحتفال بـ laquo;اليوم الوطني للخليج الفارسيraquo;، ويعتبر رئيسها ان التركيز على هذه التسمية laquo;ليس تعصباً قومياً او قبلياً... لكن الاعداء يريدون تحريف هذا الموضوع للايحاء بأن الخليج كان منطقة غير آمنة ويحتاج الآن الى المتآمرين لارساء الامن فيهraquo;. وهو ما يفهم منه ان احمدي نجاد يعتبر ان الخليج، الذي تقيم ايران على ضفة منه، فيما تقيم ست دول عربية على الجانب الآخر، لا يمكن ان يتحقق الأمن فيه الا اذا كان laquo;خليجاً فارسياًraquo;.يذكّرنا هذا باعتداءات أخرى على هوية هذه المنطقة تحت مسميات مختلفة. هكذا مثلاً تصبح القدس laquo;اورشليمraquo;، والضفة الغربية laquo;يهودا والسامرةraquo;. ومثلما نستنكر اقدام الاسرائيليين على تهويد اسماء المدن والقرى العربية وازالة اللوحات التي تشير الى هذه الاسماء وفرض اسماء عبرية مكانها، هكذا يجب ان نستهجن اكثر ان تقدم دولة تجاهر بصداقتها للعرب، وتزعم ان سلوكها حيالهم يختلف عن السلوك العنصري لنظام الشاه المخلوع، أن تقدم هذه الدولة على منع مجلات مرموقة كـ laquo;الايكونوميست البريطانية، أو laquo;ناشونال جيوغرافيكraquo; المتخصصة، لأنها اشارت الى الخليج على أنه عربي. ويزيد في الاستهجان ان الدول العربية نفسها، وست منها على الضفة الغربية من الخليج كما قلنا، اختارت ان تسمي اتحادها laquo;مجلس التعاون لدول الخليج العربيةraquo; وليس laquo;العربيraquo;، في محاولة للابتعاد عن اثارة الحساسيات القومية التي لا مبرر لها بين الطرفين. لقد تجاوز الخلاف مع ايران مسألة تسمية الخليج الى عنصرية بغيضة باتت تتجرأ على الهوية القومية للعرب، كما ظهر من خلال ردود الفعل على الإشكال الذي حصل على هامش مباراة كرة القدم بين فريق laquo;الاتحادraquo; السعودي وraquo;ذوب آهنraquo; الايراني في مدينة أصفهان، والتي طلب الحَكَم الاردني قبل بدئها ازالة اللافتات التي كتب عليها laquo;الخليج الفارسيraquo;، مع ان الغرض من تلك المباراة لم يكن تحديد هوية الخليج! فقد علّق موقع laquo;عصر ايرانraquo; القريب من الاصوليين على الاحتجاجات العربية قائلاً: ان تاريخ استقلال بعض الدول العربية هو من عمر احد الشوارع في ايران، وان هذه الدول كانت خاضعة اما لايران او للامبراطورية العثمانية! كما اتهم هذا الموقع العرب بأنهم يبحثون عن laquo;هوية ضائعةraquo; من خلال تزوير الاسماء.قد تكون هوية العرب اليوم ضائعة فعلاً. لكن الصراحة تقتضي القول ان المسؤولين عن ضياعها ليسوا ايرانيين، بل بعض حاملي هذه الهوية الذين باتوا يبحثون عن استردادها بالتحالف مع laquo;بلاد فارسraquo;، كما سمّاها احمدي نجاد. فاذا كان رئيس laquo;بلاد فارسraquo; لا يستحي باسم بلده، فهل يستحي مناصروه المقيمون بين العرب؟