أمل زاهد
تعدّد القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية الدينية وتكاثرها على الشبكة العنكوبتية كشفَ المستور من عجائبيات الفتاوى ومتناقضاتها، وتمدّد الفضاءات واتساعها ساهم في ذيوعها للقاصي قبل الداني، ومن لم يشاهدها على القناة أو في الموقع، فهي لا بد زائرته في عقر بريده الإلكتروني! وهذه الفتاوى المُرسلة على عواهنها دون تقدير لمقتضيات العصر ولفقه الواقع ولمقاصد الشريعة الكلية تـُسقط نفسها بنفسها، وغالبا ما تـُثير السخرية والتندّر. والكارثة أنها كثيرا ما تـُسبب في نفور شريحة كبيرة من quot;الدينquot;، التي تـُشكـّله تلك quot;الفتاوىquot; في العقل الباطن لقارئها أو سامعها، وبالتالي قطع كل الوشائج مع الهوية، وربما الانسلاخ التام عنها!
فالأجيال المعولمة التي تتواصل مع العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه في لمح البصر وقبل أن يرتد لها طرفها، لن تستطيع تجاوز الفجوة المريعة بين عصرها وبين ما يُقدم لها من تصورquot;إسلاميquot;، وقراءات رانَ عليها ما رانَ من غبار الموروث المُتكلـّس، والشكلانية، وحراسة مقولات باتت اليوم خارج التغطية!
فلن تلتزم امرأة تحتاج للعمل مادياً ومعنوياً لفتوى قرار المرأة في البيت ومنعها من العمل، وستسقط هذه الفتوى - المبنية على قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب - نفسها تلقائيا؟! فلا يمكن أن تسير التنمية في بلادنا عرجاء الخطى دون مشاركة المرأة، فعمل المرأة أصبح ضرورة في زمن تعصف به المتغيرات. وهل ستلتزم موظفة في قطاع مختلط بفتوى عدم جواز الاختلاط، وتتجاهل ما يدرّه عملها عليها وعلى المجتمع من فوائد جمة استجابة لفتوى، وهل ستترك علمها ومعارفها نهبا للتآكل والتحلـّل داخل جدران البيت؟! وهل ستلتزم أخرى تسأل- على إحدى الفضائيات- عن جواز كشف الوجه لمريضة بالحساسية نصحها الأطباء بعدم الغطاء، لإجابة شيخ يقول لها لا يجوز خلع النقاب إلا في الضرورة القصوى كالموت، وهلم جرا.. فالأمثلة أكثر من الحصر!
الفتاوى المتشددة والمـُتنطعة خرجت اليوم أيضا من مخابئها الدفينة ومن حلقات الوعظ والمخيمات الدعوية والمعسكرات الصيفية لتـُصبح مـُشاعة على المواقع الإلكترونية وتحت مجهر العرض والكشف، لتتعرض لمشارط المساءلة وأدوات النقد والتفكيك، ثم الرفض والسقوط!
كما ساهم الانفتاح الفضائي والرقمي في تفكيك الأحادية وتبيان تعددية الرؤى والقراءات الفقهية المختلفة وزعزعة فكر التشدّد والغلـوّ، فلا يمكن اليوم التعتيم على الأمور الخلافية، وما كان يـُؤخذ في الماضي على أنه أمر مـُسلـّم به ولا يمكن مناقشته إطلاقا، صُيـّر- اليوم- خاضعا لتعددية الرؤى ورحابة الاختلاف وسعته، ولكلٍّ أن يأخذ من الآراء الفقهية المتعددة ما ينسجم مع قناعاته ويـُريح ضميره ويـّحقق لنفسه وأهله ولمجتمعه ووطنه الفائدة والنفع!
انتهى زمن التعتيم والحجب والرأي الواحد ولم يعد بإمكان أحد تغطية عين الشمس بغربال!
- آخر تحديث :
التعليقات