سركيس نعوم
تعرف الادارة الاميركية ان اسرائيل تشعر بالقلق الشديد من استمرار الجمهورية الاسلامية الايرانية في العمل لامتلاك تكنولوجيا نووية وقدرة واسعة على استخدامها سواء لصنع اسلحة نووية تدافع بها عن نفسها ضد التهديدات المتنوعة التي تواجهها او لتأمين مصدر طاقة بديل رغم انها لا تفتقر اساساً الى المصادر التقليدية للطاقة وفي مقدمها النفط.
وتعرف ايضاً ان اسرائيل تؤمن بأن ازالة القلق المذكور الناجم عن التهديد الذي تعتقد ان ايران تشكّله لها كياناً ودولة وشعباً بل وجوداً، تتحقق فقط بتوجيه ضربة عسكرية الى المنشآت النووية في هذه الدولة بل الى بناها التحتية كلها من عسكرية تقليدية وغير تقليدية واقتصادية وquot;اتصالاتيةquot; وغيرها. وتعرف ثالثاً ان اسرائيل تفضّل ان تنفذ اميركا الضربة العسكرية لايران او ان تنفّذ الاثنتان معاً ضربة كهذه او ان تنفّذها اسرائيل، بعدما استعدت لها، ولكن بموافقة من واشنطن ومع ضمان انخراطها في مواجهة آثارها والانعكاسات بعد القيام بها وخصوصاً اذا كانت عسكرية. لكن الادارة الاميركية تعرف، في مقابل ذلك، ان ضربة عسكرية لايران قد تفجّر المنطقة كلها فتتحول كارثة ليس لأبنائها فحسب بل للعالم كله ايضاً. وهذا ما تحاول ان تتلافاه وستستمر في محاولتها هذه الى ان تنجح في انهاء الخطر النووي لايران الاسلامية على المنطقة والعالم سواء عبر عقوبات مجلس الامن او عبر الحوار الذي دعا اليه الرئيس باراك اوباما منذ تسلمه سلطاته الدستـــــورية والـــــذي لا يزال المسؤولون في طهران يتهربون منه، وإن من دون رفض رسمي ومباشــــر له في المطلق على الاقل.
وتعرف الادارة الاميركية ان القيادة في ايران الاسلامية تستعمل كل براعتها للاستمرار في مشروعها النووي وفي سعيها الى امتلاك دور واسع في الشرق الاوسط ولإقناع اميركا والمجتمع الدولي به، وتستعمل ايضاً المواجهة السياسية المباشرة والمواجهة الأمنية واحياناً العسكرية غير المباشرة اي عبر حلفائها وفي مقدمهم quot;حزب اللهquot; اللبناني وquot;حماسquot; الفلسطينية. لكنها تعرف في الوقت عينه ان القيادة هذه لا تريد مواجهة شاملة مع اميركا رغم ان اللعب على حافة الهاوية ليس مضمون النجاح في كل الاوقات.
وتعرف الادارة الاميركية ان سوريا لا تريد بدورها حرباً اقليمية قد تعرّض نظامها وبنيتها المتنوعة للانهيار رغم ان موقفها هذا لم يدفعها، على الاقل حتى الآن، الى اظهار ميل جدي للتفاهم مع اميركا بواسطة الحوار الذي عرضه عليها رئيسها اوباما، ربما لأن حلفها مع ايران يعطّل ذلك، وربما لأن اميركا غير جدية اولاً في الضغط على اسرائيل لإعادة الجولان المحتل اليها، وثانياً في الضغط عليها للتوصل الى تسوية quot;عادلةquot; في الحد الادنى لقضية فلسطين، وثالثاً في التفاهم معها على دور اقليمي معقول.
طبعاً هذه المعرفة المتشعّبة لمواقف اسرائيل وايران وسوريا المفصّلة اعلاه للإدارة الاميركية لا تعني ابداً ان المنطقة قد تبقى بمنأى عن الحرب. ذلك ان حرب الواسطة بين محور سوريا ndash; ايران ومحور اميركا ndash; الغرب ndash; اسرائيل ndash; عرب اميركا وهم الغالبية، قد تتسبب عن غير قصد بحرب واسعة. وهذا الاحتمال كان، في رأي مصادر ديبلوماسية غربية مطّلعة، احد اسباب إثارة الادارة الاميركية مسألة الصواريخ المرسلة عبر سوريا الى quot;حزب اللهquot; في لبنان رغم غياب الاثبات الرسمي لذلك على الاقل حتى الآن. ذلك ان الجبهة اللبنانية ndash; الاسرائيلية هي الوحيدة المرشحة للاشتعال في ظل إصرار اصحاب الجبهات الاخرى على تلافي ذلك. واذا اشتعلت بسبب الصواريخ التي تُخِلُّ بتوازن القوى بين اسرائيل وquot;حزب اللهquot;، استناداً الى مسؤولين فيها، فان احداً لا يضمن عدم اتساعها بل عدم تحوّلها شاملة. وذلك يشكّل كارثة محققة.
ولهذا السبب فان استراتيجية الرئيس اوباما هي منع المواجهة الفرعية والاكبر. ومن هنا ضغوطه على سوريا بشار الاسد في شأن علاقاتها بـquot;حزب اللهquot;. وهو، على ما تؤكد المصادر نفسها، صبور وملحاح وسوف يستمر في ممارسة ضغوطه على كل الافرقاء وذلك للتأكد من انهم لن يجدوا انفسهم منزلقين او متورطين في حرب شاملة لم يكونوا مخططين لها. والطرف الأبرز في هذا المجال سيكون سوريا للأسباب المذكورة اعلاه. ولذلك فان سياسة اوباما هي دفعه الى موقع الحياد وخصوصاً اذا فشل الجميع في تلافي مواجهة او حرب سواء بين ايران الاسلامية واسرائيل او بين ايران هذه واميركا. ولا ينبع ذلك من حرص اميركي على هذه السوريا او من حرص اسرائيل عليها، رغم التقاء المصالح الذي يقر به الجميع، بل من حرص على عدم انتشار العنف والحروب في كل المشرق او بالأحرى الشرق.
والمعلومات الواردة من دمشق الى واشنطن تشير وعلى نحو اكيد ان الرئيس بشار الاسد يفهم تماماً ما يحاول الرئيس اوباما القيام به والمفصّل اعلاه، لكنه حتى الآن لم يعط اي اشارة تفيد انه مستعد للانتقال الى موقع المحايــــد في حال اندلعت المواجهة او الحرب.
التعليقات