محمد كريشان

'وقع السياسيون في الفخ'... هذا ما صرحت به إحدى علماء الأديان الفرنسيات في سياق تعقيبها على الجدل الدائر في فرنسا حول موضوع النقاب والتوجه نحو سن قانون لحظره ومعاقبة من يجبر امرأة على ارتدائه.
وتوضح أكثر فتقول إن الخطب السياسية تغلب رؤية توحي وكأن الاسلام هو هذه المجموعات الصغيرة جدا في أوروبا وهو ما كانت تريده أصلا بعض التيارات الإسلامية المتطرفة. ويؤكد مسلمون كثر في أوروبا أن موضوع النقاب هامشي جدا ومع ذلك يقع التركيز عليه كما أنه المشكلة الأولى للمسلمين وللمجتمع مع أن الإحصاءات الرسمية تفيد أن عدد المنقبات في فرنسا لا يتجاوز ألفي امرأة . وفي بلجيكا التي أصبحت الدولة الغربية الأولى التي تحظر النقاب في كل الأماكن العامة ، تؤكد نائبة رئيس الهيئة الرسمية البلجيكية التي تمثل مسلمي البلد، أن عشرات فقط من النساء من بين مئات آلاف المسلمات فيها معنيات بهذا القانون.
ومثلما وقع السياسيون الأوروبيون في الفخ، وقع المسلمون هناك في ذات الفخ حيث اختزل بعضهم الإسلام وعظمته في خرقة قماش سوداء تغطي الوجه كاملا أولا تبقي منه سوى العينين، فقد صرح إمام مسجد باريس حسن الشلغومي أنّه تعرّض لتهديدات بالقتل من بعض المسلمين الرافضين للحوار بعد طرحه مسألة أن النقاب ليس واجباً شرعياً. وقد كان الشلغومي دعا مسلمي فرنسا إلى ترك موضوع النقاب والالتفات للتركيز على التعليم والعمل والتفرغ لكسب السمعة الطيبة للإسلام والمسلمين بالنبوغ في العلم وبلوغ المراكز العليا، لافتا الانتباه إلى وجود أكثر من 60 مليون شخص غير مسلم في فرنسا وهم الأغلبية الساحقة ويظنون أنّ النقاب فيه تقييد لحرية المرأة وحظر لفكرها ودعوة لعزلتها وحرمانها من حقوقها. وأشار الإمام إلى أن الأهم من مشكلة النقاب في فرنسا هي مسألة العنصرية وعدم السماح للمسلمين بالترقي وشغل المناصب العليا حتى بعد إجازتهم دراسيا ومهنيا.
ومثلما أهمل معظم السياسيين البلجيكيين وربما الفرنسيين قريبا النظر إلى قرار الحظر على أنه يمثل في الجوهر 'سابقة خطرة' تأتي 'معاكسة لحرية التعبير والتدين' كما قالت منظمة العفو الدولية ، فإن غالبية المسلمين في هذين البلدين ، وربما في أوروبا ككل، لم تفلح هي الأخرى في إبلاغ رأيها بأن هذه الضجة مفتعلة وبأنه من غير العادل الانطلاق من تصرفات بضعة عشرات أوحتى مئات من المسلمين للحكم على مجمل المسلمين وتصويرهم بقصد أو بغيره على أنهم فئة خارج التاريخ والحضارة. وكما صمت أغلب البلجيكيين والفرنسيين عن ركون الساسة في بلدانهم لحسابات ضيقة تستسهل تعظيم الصغائر المتعلقة بالإسلام والمسلمين، فضــل معظم المواطنين المسلمين في بلجيكا وفرنسا الصمت تجاه قلة تدعي تمثيل الاسلام والمسلمين فإذا بها تقدمهما معا في أسوأ صور التخلف وازدراء المرأة. المطلوب الآن أن تهب معظم قوى المجتمع المدني في كل من بلجيكا وفرنسا لتعيد لحرية المعتقد والتعبير اعتبارهما وتألقهما، حتى لواستفاد منهما من لا تشاطره لا قناعاته ولا ممارساته، وبنفس القوة المطلوب من المسلمين في هذين البلدين أن يجاهروا برفع أصواتهم ليقولوا صراحة إن هؤلاء الذين تسلط عليهم الأضواء من سيدات منقبات يختفين وراء رجال ملتحين لا يمثلون الاسلام وسماحته، وأنه مثلما توجد لدى أتباع الديانات الأخرى شطحات لقلة منهم في كل أصقاع الدنيا توجد لدى قلة قليلة من المسلمين شطحاتهم أيضا.
بغير هاتين الهبتين سنسير تدريجيا نحو مجتمعات غربية أقل تسامحا رغم كل عراقة قوانينها في الحق في الاختلاف وصون الحريات بالتوازي مع وجود مسلمين ومسلمات في هذه المجتمعات رضوا أن تختطف قلة قليلة الاسلام وتزعم تمثيله ولا يحركون ساكنا تجاه ذلك. خطان لا يمكن أن يقودا في النهاية إلا إلى مزيد من تراكم سوء التفاهم وتنامي مشاعر العداء والرغبة في شطب الآخر عوض البحث معه عن قواسم مشتركة. هذا هوالغباء بعينه من الطرفين.